ذاكرة المعتقلات السرية 9 “الكوربيس” … قلعة عذاب

يظل المحتجزون جاثمين على الأرض بأعين معصوبة وأياد مغلولة يحكي الكتاب عن قصة تحول "الفيلا البيضاء" بالمطار القديم إلى مركز محاط بالمستودعات لتخزين البشر عوض قطع غيار الطائرة، مؤكدا أن اسم الطيار "كازيس" الذي تحطمت طائرته سنة 1913 على الصخور الشاطئية للصويرة، أطلق على أول مطار أنشئ بالبيضاء، والذي انتقل اسمه لاحقا من "كامب كازيس"، إلى مطار آنفا. وتغيرت وظائفه وأدواره ومساحته مع مرور الزمن، وفي 1937 بني به مستودع كبير استعمل لاحقا من قبل القوات الأمريكية، إثر إنزالها 1942، فاستخدمته قوات الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية للتخزين والصيانة . وبعد نهاية الحرب، تحولت إحدى بناياته المعروفة بـ"الفيلا البيضاء" إلى مقر عام للخطوط الجوية الفرنسية بالمغرب، ثم تحولت بعد ذلك، وابتداء من 1956 إلى مقر عام لفرع الخطوط الملكية المغربية. وبعد أن أخذ مطار النواصر الريادة من المطار آنفا، الذي تجاوزته المعايير الدولية في بناء المطارات، وصار في نظر البعض ملائما للقيام بوظائف جديدة، شهدت 1973 ميلاد "الكوربيس".فتح المركز، حسب تأكيد الكتاب، لاستقبــال المتهمين في أحداث مارس 1973، الذين لم تستــوعبهم كوميسارية "درب مولاي الشريف"، وبالتالي فهو لم يكن مؤسسة سجنية ولا مقرا رسميا للشرطة، لكنه استعمل تحت مسؤولية الفرقة الوطنية للضابطة القضائية ملحقا لـ "درب مولاي الشريف". واحتضن المعتقل إضافة إلى "رفاق عمر دهكون" نقابيين وسياسيين من مشارب مختلفة، وطلبة ماركسيين، من منظمة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، إلى جانب أسماء كل من نوبير الأموي الذي كان وقتئذ رئيسا لنقابة مفتشي التعليم الابتدائي، ومحمد بوكرين المتهم في أحداث 1973 وآخرين.أكد الكتاب أن "الكوربيس"، هو معتقل الدرجة الصفر للحياة ، حيث الجوع والبرد وانعدام النظافة. فكان المحتجزون به يجبرون على أن يظلوا جاثمين على الأرض بأعين معصوبة وأياد مغلولة، تحت نور الكهرباء ليل نهار، بل إن قلة الأصفاد، حسب ما جاء في الكتاب، وكثرة المحتجزين جعلت الحراس يعمدون إلى تكبيل كل محتجزين اثنين بقيد واحد، فصارت عملية التفاهم بين فردي كل ثنائي حين يتقاسمان القيد نفسه ضربا من العبث والمهانة الإضافية في الوقت نفسه.وافتقد المحتجزون إلى الأغطية، حيث وضعت رهن إشارتهم بطانيتان لكل أربعة منهم، يفترشون الأرض في شبه عراء، حيث تتسرب قطرات الماء ثقوب السقوف كلما جادت السماء بالغيث، فتتجمد الأجساد المتراكمة جنبا إلى جنب، ويشتد القر ليلا خلال فصل الشتاء ويطول انتظار إشراقة شمس يوم جديد.واقتصرت التغذية داخل "الكوربيس" على قطعة خبز خلال اليوم الواحد مع كأس شاي ساعة الفطور، وما يشبه الحساء خلال وجبتي الغذاء والعشاء. أما الفسحة، فهي لبضع دقائق في بهو مستطيل محاذ للمراحيض، التي لم تكن أكثر من ثقب في الأرض، مفتوحة على الهواء الطلق. كان قضاء الحاجة يتطلب الانتظار في طوابير مادام المحتجزون موزعين على مستودعات مساحة كل واحدة منها 100 متر مربع، يحشر في كل واحد منها بين 100 محتجز و200.واخطر معاناة المحتجزين معاناتهم مع السل الذي انتشر، وكان الحل الوحيد الذي اقترح لمواجهته، هو العزل الذي طال عددا من الذين شحبت وجوههم وأدرك الهزال أجسادهم، وكانت الحصيلة وفاة حوالي 20 محتجزا.وجاء في الكتاب أن المحتجزين عــاشوا في ظل التعذيب وتأزم النفسيات وانحطــاط المعنـــويات، لحظــات تــوتر وشنآن أزمت وضعيتهم أكثر، خاصة في ظل تنوع مشاربهم السياسية والفكرية والمذهبية. إعداد: إيمان رضيف

ذاكرة المعتقلات السرية 9 “الكوربيس” … قلعة عذاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

128 شكاية حصيلة أولى للانتخابات

"ليلة الحنة" لهناء وصفاء في الخليج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات