الخليفة عمر أول من عطل أحكاما شرعية < أثرت قضية هامة وهي أن المعتزلة بلغ بهم الاعتداد بالعقل في حال تعارضه مع النص الديني، إلى إرجاء العمل بالنص؟< المعتزلة لا يقولون بالإلغاء النهائي للنص الديني أو النقل، وإنما يلجؤون إلى رفع التعارض بينه وبين العقل، بالتأويل والإحالة على حكم العقل، وبالتالي إرجاء العمل بالنقل، وهو ما يمكن أن نسميه في لغة الأحكام الشرعية ب"تعطيل النص".وأول من لجأ إلى هذا المبدأ هو الخليفة عمر بن الخطاب، أي أن الزمن تغير بعد وفاة النبي محمد عليه السلام بعشر سنوات فقط، إلى درجة أن الخليفة الثاني في الإسلام ألغى أحكاما وفروضا شرعية كما هو الشأن بالنسبة لقضية «المؤلفة قلوبهم» فالآية تنص على أنها «فريضة من الله» مثل الزكاة، بقوله لاثنين منهما هما عيينة بن حصن والأقرع بن حابس: «إن رسول الله كان يتألفكما، والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أغنى الإسلام. اذهبا فاجهدا جهدكما لا يرعى الله عليكما إن رعيتما».إذن عمر هنا «حرم حلالا» وهذا في نظر الفقهاء كبيرة من الكبائر أن تعطل حلالا، ووقف على المنبر وقال «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا عمر بن الخطاب العدوي أنهي عنهما وأعاقب عليهما هما متعة النساء ومتعة الحج».كما أن هذا الخليفة نفسه عطل تطبيق حد السرقة في ظرف من الظروف، فقد روى مالك في «الموطأ»، أن رقيقا لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فنحروها، فأمر عمر بقطع أيديهم، ثم أوقف القطع، وفكر في أن يعرف السبب الذي من أجله سرق هؤلاء فلعلهم جياع، وجاء حاطب فقال له عمر، إنكم تستعملونهم، وتجيعونهم والله لأغرمنك غرامة توجعك، وفرض عليه ضعف ثمنها، وأعفى السارقين من القطع لحاجتهم..ولم يقف عمر بهذا عند ظاهر النص جامداً، بل غاص إلى ما وراءه، ووجد أنه لا يقام حين يكون السارق في حاجة تلجئه إلى السرقة، كما قال لحاطب:»لولا أنكم تستعملونهم و تجيعونهم، حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكلوه، لقطعتهم».وعمر بهذا وضع أساساً لعدم تطبيق الحد على المحتاجين الذين تحدث عنهم، وهي وجهة نظر جديدة في تطبيق آية «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا، نكالاً من الله..» راعى فيها عمر علة القطع وظروفه، ودار مع العلة، وإن أدى ذلك إلى تخصيص النص أو ترك ظاهره وهذه النظرة هي التي حملته على إيقاف حد السرقة أيضاً عام المجاعة، كما حملته على إيقاف الحدود في السفر مثل ما فعل حذيفة أيضا فأوقف الحد على شارب الخمر، وقال:»تحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطعمون فيكم؟».وهكذا يتضح لنا أن عمر قد اجتهد فألغى سهم المؤلفة قلوبهم مخالفة للنص القرآني، وأوقف حد السرقة على المحتاج، ثم عطله في عام المجاعة، وعطل التعزير بالجلد في شرب الخمر في الحروب، ونضيف إلى ذلك أنه خالف السنة في تقسيم الغنائم فلم يوزع الأرض الخصبة على الفاتحين، وقتل الجماعة بالواحد مخالفاً قاعدة المساواة في القصاص، أي أنه استخدم عقله في التحليل والتعليل، ولم يقف عند ظاهر النص.من هنا جاء ارتباطي بالمعتزلة ومنهجهم العقلي الذي رأينا إرهاصات منه في سيرة عمر بن الخطاب، فروح هذا المنهج هو الاجتهاد ومطابقة الأحكام الشرعية للواقع، وتجاوز الجمود.وأذكر أنه في أحد نقاشاتي مع بعض مشايخ الأزهر تحدث معهم عن انتفاء العبودية في زمننا، فهل يمكن لأحد أن يسلك منهج عمر بن الخطاب، ويجتهد في رفع وتعطيل الأحكام الخاصة بالعبيد والرقيق في الإسلام، بل إن نصف البرنامج التعليمي بالأزهر يتحدث عن هذا الجانب، بل ويتداولون أسئلة سخيفة من قبيل هل يجوز للرجل أن ينكح جارية أبيه؟ أو أن ينكح الأب جارية ابنه؟ فيقول لك مالك هذا فالأب ينكح جارية ابنه في الوقت الذي لا يمكن للابن أن ينكح جارية أبيه، وأشياء كثيرة من هذا القبيل، فلا وجود للمرأة هنا ككائن بشري.ولما طلبت منهم يقولوا بكل جرأة بضرورة تعطيل أحكام القرآن بهذا الشأن، فرد علي ا عبد المعطي بيومي، عضو هيأة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، قائلا إن سيد القمني يريد أن يلغي آيات من القرآن، ولاحظ معي كم يتلاعبون بمثل هاته العبارات، ثم قال «افرض يا أخي أننا عدنا أقوياء وعادت الفتوحات فكيف نتعامل مع السبايا والرقيق» فيبدو أن الرجل طامع أنه سيغزو أمريكا، أو أوربا ويسبي نساءها.عزيز المجدوب