سوق السيارات المستعملة… موسم الهجرة إلى الأنترنت

الزبناء انتقلوا إلى المواقع الإلكترونية لتدبير صفقاتهم بأقل كلفة والتحول التجاري خلق سماسرة جددا استمر تطور أنشطة سوق السيارات المستعملة خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي أبطأ نمو مبيعات السيارات الجديدة، فيما سجلت إحصائيات المهنيين استحواذ السيارات "أوكازيون" على حصة 70 % من مبيعات السوق، أي ما يمثل 330 ألف سيارة، مقابل 122 سيارة جديدة بيعت خلال السنة الماضية. تكشف الأرقام عن حجم الطلب الكبير على السيارة المستعملة، رغم تنويع الحلول الائتمانية لتمويل اقتناء نظيرتها الجديدة، إذ ما زال سلوك المستهلك المغربي مستقرا على حاله، ويرتكز في قرارات الشراء التي يتخذها على معايير فريدة، تهم أساسا الكلفة، التي تجمع بين سعر السيارة وعمولة "السمسار". هذه الكلفة يسعى المشتري في السوق إلى تقليصها، من خلال تفادي المرور عبر الوسطاء، وبلوغ مالك السيارة مباشرة، وهو الأمر الذي خلق حاجة في سوق السيارات المستعملة، اضطلعت مواقع الإعلانات الصغيرة بتلبيتها، عبر تجسير الهوة بين مالك السيارة والمشتري وتأمين التواصل المباشر بينهما، لينتقل السوق من الشارع إلى الأنترنت. تخلف "الحريفية" لم تثن حرارة الصيف، أو خصوصية اليوم الرمضاني زوار سوق السيارات المستعملة الشهير بمنطقة "سباتة" في البيضاء، من الخروج وتفقد "جديد" السيارات المعروضة في الأزقة الفرعية، الواقعة بين شارعي واد الذهب والساقية الحمراء، إذ يحرص الباعة على حجز فسحة لركن سياراتهم خلال الليلة التي تسبق الأحد من كل أسبوع، الذي يعتبر فترة ذروة النشاط، وفي ذلك يتنافس الباعة الخواص مع التجار، أو بلغة السوق "الحريفية"، وكذلك مع السماسرة والوسطاء، الذين يرابضون خلال الأيام العادية طيلة اليوم على كراسي المقاهي الصغيرة التي تؤثث منطقة "جميلة 5". يتسمرون في أماكنهم بحثا عن معلومات حول سيارات مناسبة للبيع لدى شخص ما، توفر هامش ربح جيد، وتشكل "همزة" يتعين استغلالها على الفور. حسن، سمسار زجت به الصدفة في تجارة السيارات المستعملة منذ عشرين سنة، يحكي عن واقع السوق ورواجه بنبرة سخط، "اليوم تغير السوق والناس، ولم يعد للكلمة أو الوعد وزن أو قيمة، فالكل يلهث خلف دراهم قليلة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الغير". هذا الانطباع يخفي بين طياته مجموعة من المتغيرات التي طالت سوق "سباتة" للسيارات المستعملة، فالأربعيني محدود التعليم تأثرت أنشطته بارتفاع عدد السماسرة في السوق، ولم يستطع اللحاق بركب التطور التكنولوجي. كما ظل معتمدا أسلوبه القديم في الوساطة واقتناص السيارات الجيدة في السوق، في الوقت الذي ظهر للوجود سماسرة من نوع آخر، زاوجوا بين الطرق التقليدية والتكنولوجيات الحديثة، ذلك أن التاجر، أو الوسيط أصبح يعرض سياراته للبيع في الشارع وعلى صفحات الأنترنت، من خلال استغلال المواقع الالكترونية الخاصة بالإعلانات الصغيرة. سوق متغير حركة بطيئة بالزقاق رقم 50، تكسرها بين الفينة والأخرى أصوات الميكانيكيين والكهربائيين، الذين يعملون وفق منطق "الورشة المتنقلة"، لإصلاح ما أفسده الدهر في هذه السيارة أو تلك. يقول عبد اللطيف، الميكانيكي، بعبارات يعتريها الغضب، "كنا في الماضي نستخلص رزقنا من هذا الزقاق إلا أن الركود هيمن على أنشطة السوق". تذمر عبد اللطيف له ما يفسره، إذ تراجعت أنشطة "أسواق" السيارات المستعملة الشعبية، حين اتخذت هذه التجارة منحى متطورا، ذلك أن تجار السيارات المستعملة أصبحوا ينتظمون في مساحات عرض مهيكلة، فيما تحولت عملية البيع والشراء المباشرة من الزقاق إلى صفحات الأنترنت، من خلال تسويق التجار لسياراتهم في مواقع إلكترونية أصبحت مخصصة لهذا الغرض. وإذا كان الركود ضرب أنشطة الأسواق الشعبية، فقد أرخى بظلاله على أنشطة السماسرة والوسطاء، ويؤكد توفيق، سمسار، بهذا الخصوص، أن مصدر رزقهم في سوق "سباتة" للسيارات بات مهددا بسبب المواقع الإلكترونية، الأمر الذي فرض التحول إلى استخدام هذه الوسيلة التكنولوجية، من أجل تسويق سياراتهم وتصيد فرص الربح، موضحا بالقول، إن التحول التجاري الجديد خلق "صياد الهميزات"، والمقصود بذلك فئة جديدة من السماسرة المرابطة خلف شاشات الحواسيب تتصفح مواقع البيع الإلكترونية، بهدف اقتناص العروض والفرص التجارية المربحة، إلا أن هذه المواقع سرعان ما تحولت إلى ساحة لبعض الممارسات الشاذة، التي أضرت بمصالح الزبناء وسمعة الوسطاء. إعلانات مفخخة تتطلب الوساطة في بيع السيارات المستعملة عبر الأنترنت تقنيات فريدة لا يتقنها إلا قلة من السماسرة اليوم، الذين يلجؤون إلى مختلف الوسائل لاقتناص الصفقات الجيدة، أو بلغة المهنة "الهموز"، من خلال اقتناء سيارات رائجة، وفي حالة تقنية وميكانكية ممتازة، يوفر بيعها لشخص آخر هامش ربح مهم. نبيل، شاب وجد في "السمسرة" ببيع السيارات، فرصة عمل تخرجه من دوامة البطالة، إذ راكم على مدى سنوات قليلة مبلغا ماليا أهله لولوج هذه التجارة، والحصول على صفقاته الخاصة. يحكي هذا الوسيط المبتدئ، حسب معايير المهنة، كيف يلجأ بعض السماسرة إلى إعلانات مفخخة لتسويق سياراتهم، من خلال المراهنة على بعض عوامل إغراء وجذب الزبناء، ذلك أنهم يعمدون مثلا، إلى ربط ملكية السيارة بامرأة، على اعتبار هوس النساء وحرصهن على الاعتناء بسياراتهن، الأمر الذي يوحي للزبون بجودة السيارة ومتانتها. ويوضح نبيل كيف يقع الزبون ضحية تضليل محكم أيضا، من خلال التلاعب بصور السيارة المعروضة على مواقع البيع عبر الأنترنت، إذ يتعمد التاجر، أو السمسار عدم تصوير الجوانب المعيبة في السيارة، والإعلان عن ميزات تقنية وتكنولوجية غير موجودة فيها، من أجل تأمين أكبر عدد من طلبات المعاينة للسيارة، وبالتالي فرصة أكبر للبيع بسعر يحدد بعناية، ويأخذ بعين الاعتبار أي تخفيض محتمل خلال العملية التفاوضية، في الوقت الذي يلجأ بعض السماسرة إلى إقحام أنفسهم في عمليات بيع سيارات دون موافقة ملاكها، إذ يعمدون إلى تصوير السيارات والإعلان عن بيعها في المواقع الإلكترونية، مع تضمين الإعلانات أرقام هواتفهم الخاصة. هذه الممارسات والتحرشات من قبل السماسرة، أجبرت الزبناء وملاك السيارات الخواص على تضمين إعلاناتهم ملاحظات، تفيد عدم الرغبة في التعامل مع وسطاء، بل اضطر بعضهم إلى الاستغناء عن مواقع البيع الإلكترونية واللجوء إلى المتخصص منها فقط، وهو الخيار الذي سلكه أحمد، الذي حاول عدة مرات اقتناء سيارة لابنته عبر الأنترنت دون جدوى، إذ يحكي كيف تعرض لمحاولات تضليل ونصب من قبل سماسرة، قبل أن يتوجه إلى الطريقة التقليدية للبحث عن سيارة، عبر جولات ميدانية في الشوارع والأزقة والاستعانة بالمعارف للاستدلال على صفقة جيدة، والبحث أيضا في المواقع المتخصصة على الأنترنت، التي تعمد إلى حذف الإعلانات المفخخة، وتتقصى حول هوية المعلن ومصداقيته. السماسرة شركاء مواقع البيع أكد عبد الله حجاج مدير التسويق بموقع "voiture au maroc»، الذي يسجل ما بين 20 ألف زائر و25 ألفا يوميا، أن المغاربة استغنوا خلال السنوات الأخيرة بشكل تدريجي عن خدمات السماسرة لبيع، أو شراء سياراتهم، وباتوا يفضلون اللجوء إلى الأنترنت للقيام بهذه المهمة بشكل مباشر وبتكلفة أقل، معتبرا أن الشبكة العنكبوتية أصبحت تشكل فرصة سانحة، سواء بالنسبة إلى الراغبين في بيع سيارات مستعملة، أو للباحثين عنها، إذ تتيح مواقع البيع الإلكترونية اللقاء المباشر بين البائع والمشتري دون حاجة إلى وسيط. وكشف حجاج، أن الموقع يستقبل يوميا ما بين 400 و450 إعلانا عن بيع أو شراء، بما فيها إعلانات من قبل سماسرة ووسطاء، يعتبرهم الموقع شركاء يساهمون في الرفع من معاملات ونشاط الموقع، وهو الخيار التجاري الذي علق عليه مسؤول التسويق بالقول، إنه «جزء من الإستراتيجية التسويقية للموقع، التي تحاول الاستفادة من هذا العنصر الموجود في السوق أصلا، بدل منافسته». إلى ذلك، فإن سوق السيارات المستعملة، حسب المصدر نفسه، لا تخضع لقوانين صارمة ولدفتر تحملات ولمرجع للأسعار (Argus Auto) لحماية المستهلكين والحفاظ علي شفافية المعاملات التجارية، ذلك أن تقييم السيارات لا يعترف بمنطق تجاري محدد، فبعض السيارات التي تجاوز عمرها عشر سنوات، تنتمي إلى طرازات «مرسيديس» و»فولسفاغن» مثلا، تسوق بسعر أعلى من أسعار السيارات المستعملة التي يقل عمرها عن خمس سنوات. إعداد: بدر الدين عتيقي – تصوير: (أحمد جرفي)

سوق السيارات المستعملة… موسم الهجرة إلى الأنترنت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القريعـة... سـوق عشـاق الكـلاب

شبح التأجيل لازم أول انتخابات الدستور الجديد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات