حرارة فاس… الإبداع لمواجهة القيظ

مسبح متنقل في دراجة وإيموزار وإفران ووادي أكاي وسيدي حرازم وجهة الفارين من صهد لا يطاق يصدق المثل القائل «الحاجة أم الاختراع»، على مواطن بفاس لم يجد حيلة ناجعة لدرء الحرارة الحارقة التي تشهدها المدينة، غير إبداع طريقة غريبة ومثيرة باستعمال المتوفر والممكن من إمكانيات دون حاجة إلى مصاريف مضاعفة لاستجمامه وابنيه الصغيرين، وقد يدخل بها موسوعة «غينيس» ليس لرقم مذهل حققه، بل لطرافة فكرة لا تخلو من دهاء وذكاء، وقد لا تخطر على بال أحد غيره. اخترع الرجل الأربعيني، شاحب الوجه المرسومة عليه علامات الشقاء والتعب ومفعول الحرارة الملهبة لأجساد الفاسيين قبل غيرهم من زوار فاس، مسبحا متنقلا مفتوحا لابنيه للسباحة والاستجمام، دون غيرهما من أبناء المدينة، في فكرة قد يستنسخها آخرون ممن «لا حول ولا قوة لهم» على تدبر تكاليف «قهر» صهد هذه المدينة الجميلة، من أبنائها مغلولي الأيدي وضعيفي الإمكانيات المادية. من دراجته النارية ثلاثية العجلات، التي طالما استعملها في بيع الخضر لتدبر تكاليف عيشه وأسرته الصغيرة، أبدع مسبحا «غير مغطى» طبعا، بعدما غلف جزأه الأخير بالبلاستيك على عمق بسيط، ليملأه بالماء الذي لا يهم إن كان نقيا أولا، فاسحا مناسبة لا تعوض لابنيه ل»تبريد» جسميهما المحترقين من شدة لهب حرارة فاقت الأربعين درجة في عشر الأواخر من رمضان. علامات الانشراح والبهجة والسرور بدت على وجهيهما، أمام عيني والدهما الفرح بإبداع شكل يروح به عنهما، في انسجام وصورة ستقفز بالأب إلى أعالي سلالم الشهرة، لاختراعه المعرض للقرصنة والتقليد من غيره، ليس في فاس لوحدها إنما في كل شبر من هذا الوطن حيث يوجد فقراء ومحدودو الدخل ممن لا قدرة لهم على تدبر تكاليف «الفرار» من صهد لا تطيقه الأجسام. فكرة هذا الرجل فريدة كغيره ممن يقتنون مجسمات بلاستيكية يملؤونها بالماء، صانعين مسابح مفتوحة في صيف حارق، في سطوح منازلهم وأبوابهم حيث لا تسلم «الجرة» كما في كل مرة، كما حدث مع طفل صعقه التيار الكهربائي أمام منزل والديه بطريق صفرو، فيما لا يجد آخرون غير النافورات العمومية المنتشرة بكثرة في شوارع المدينة، للسباحة والاستجمام في مثل هذه الأيام. وطالما أن الماء جف ببعضها لأسباب مجهولة، فقد اختار شباب وأطفال الأسر الفقيرة، السباحة في المجاري الآسنة المتسربة من بعض المنتجعات السياحية، خاصة بطريق إيموزار، أو الهروب في اتجاه نهر سبو الملوث، سيما بطريق سيدي حرازم على الطريق الوطنية رقم 6 بين فاس ووجدة، حيث خطر الإصابة بأمراض ناتجة عن تلوثه، أو غرق محتمل للذين لا يتقنون السباحة.ومن آخر ضحايا سبو “ر. ب” شاب مستخدم متزوج بدون أبناء، من مواليد فاس في 10 دجنبر 1993، وكان يقطن بحي البورنيات، غرق أخيرا بالجهة اليمنى للنهر قرب التعاونية الفلاحية لحريشة بالجماعة القروية لسيدي حرازم التي يعرف منتجعها السياحي إقبالا منقطع النظير في هذه الأيام الحارة، خاصة ليلا، حيث يعج الفضاء بزواره الباحثين عن لطف طقسه ومائه المعدني. ويحظى منتجعا عين الله ومولاي يعقوب بالإقبال نفسه، شأنهما شأن إيموزار كندر وإفران ومختلف الضايات المنتشرة بهما من عوا إلى حشلاف وغيرهما، ووادي أكاي العابر لسكون مدينة حب الملوك، الذي يحج إليه مئات الشباب يوميا، سيما إلى الشلال أو “الكاسكاد”، كما يسميه أهل المدينة، حيث يبدع شباب أشكالا للترويح عن الزوار بمقابل، بتوفير الكراسي واحتكار الموقع أحيانا. الصور نفسها يمكن الوقوف عليها في منابع للمياه بالبهاليل بالإقليم نفسه، ووسط إيموزار حيث تحول بركة آسنة إلى مسبح مفتوح مضر بأطفال اختاروا موقعا للترويح عن النفس، عكس مواقع أخرى أكثر نقاء، سيما في عين السلطان الأكثر برودة وإمتاعا للعين لما توفره من ظروف الترويح عن النفس بالنسبة إلى الوافدين عليها ليس فقط من المدينة، بل من مختلف الأقاليم المجاورة. ميـاه وظـلال بهذا المكان بدا شباب في مشاهد أكثر حميمية مع ماء متدفق بكل مكان، واضعين رؤوسهم المثقلة بالهموم والمقلية بحرارة ملتهبة، تحت أنابيب المنبع المنسابة منها المياه غير آبهين بدرجة البرودة الكبيرة التي قد تؤذيهم في أجسادهم، فيما افترش آخرون “حصائر” مبللة بالمياه، منتشرة على طول هذا المجرى المائي المؤثث بمراكب مائية موضوعة رهن إشارة راغب في جولة بالمسيل المائي. الظلال التي توفرها أشجار الموقع، تغري زواره كما قاصدي ضاية عوا التي تعج بزوارها، حيث المراكب نفسها المستغلة ب50 درهما لكل جولة، والخيول المتيحة لجولة على ضفاف البحيرة تنسي راكبها حرارة حارقة، في مكان يستحق التفقد على غرار مواقع أخرى قريبة منه، غير متاح الوصول إليها بالنسبة إلى عدة أسر فاسية بالكاد تتدبر أمور عيشها بلا تفكير في الاستجمام. حميد الأبيض (فاس)

حرارة فاس… الإبداع لمواجهة القيظ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ثورة قانون اللاعب

شراء القروض… الرمال المتحركة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات