دم مغربي في الجولان8

خيانة الجنرال "حلاوة" مرت أزيد من 42 سنة على مشاركة القوات المغربية في حرب الجولان في أكتوبر/ رمضان عام 1973 إلى جانب القوات السورية. ما يعاب عن هذه المشاركة هو شح المعلومات وتضاربها حول الظروف والمعارك التي خاضتها القوات المغربية ضد الجيش الإسرائيلي، اللهم النزر القليل منها، التي عجز بعضها عن عد عدد قبور الشهداء المغاربة بسوريا.تسعى هذه السلسلة إلى محاولة إعادة كتابة تاريخ تلك المشاركة البطولية للمغاربة من وجهة نظر شاهد عيان، صحيح أنه كان جنديا بسيطا وقتها، لكن شهادته، أمام صمت الضباط، ورحيل العديد منهم إلى دار البقاء، تجعلها قيمة، فالجنود البسطاء هم حطب المعارك. اشتد لهيب المعركة بين قواتنا والجيش الإسرائيلي. جاهدنا كثيرا من أجل اختراق الحصن الإسرائيلي، لكن دون جدوى رغم سقوط شهداء. كان محصنا بشكل غير متوقع، ورشاشاته الكبيرة شلت حركاتنا.لكن رغم فشلنا في "فتح" هذا الحصن، إلا أن إصرارنا وعنادنا أثارا الرعب في صفوف الإسرائيليين. كانوا يخشون أن نقتحمه في أي لحظة، ما كان يجعلهم يطالبون بتعزيزات عسكرية تفاديا لأي احتمال أسوأ.فعلا صدق حدسنا، أرسلت القيادة الإسرائيلية تعزيزات عسكرية جديدة تتقدمها فرقة من الدبابات. اشتبك بعضنا مع تلك القوات في محاولة لوقف تقدمها. كنت واحدا منهم. ما زالت أتذكر كيف أصبت دبابة بقذيفة "أر بي جي"، دمرت عجلتها الحديدية فتوقفت. نزل عنصران من طاقمها، وفي وقت لا يتجاوز أربع دقائق، استبدلا الجزء المتضرر بآخر سليم، وامتطيا الدبابة من جديد، التي صوبت مدفعها تجاهي بعد أن حددت مكاني، وأطلقت قذيفة تفجرت قربي لحسن الحظ، ولم أصب بأذى، بعد أن نجحت في الاختباء.استفزني كثيرا نجاح الإسرائيليين في إصلاح دبابتهم، وجعلني أشك أن هناك أمرا غير عاد. طرحت أسئلة على نفسي، كيف تمكن هؤلاء من إصلاحها دون أن يتعرضوا لإطلاق نار، خصوصا أن فرقة سورية كانت تقاتل بمكان قريب منها.لم أعر الأمر كثيرا من الانتباه، واعتبرت التساؤل مجرد وسوسة شيطان، لكن، بعد برهة من الوقت، ونحن على الجبل، لاحظنا قدوم عدد كبير من الحافلات الإسرائيلية على طريق طويل داخل أراضي الجولان. اعتقدنا في البداية أنها قوات احتياط، قادمة لتقديم الدعم للقوات الإسرائيلية المرابطة في الجبل، خصوصا أن كفة المعركة بدأت تميل لصالحنا، لكن مع اقترابها تبين أنها فارغة. انتابني رفقة زملائي حدس أن هناك أمرا يحاك في الخفاء.فجأة، فرض الإسرائيليون سيطرتهم على مجريات المعركة، وأصبحت قواتهم تتقدم شيئا فشيئا، مدعومة بدبابات. نجحوا في البداية في محاصرة فرق سورية بجبل الشيخ، بعد أن نفدت ذخيرتها، ورفض قائدها وهو الجنرال "حلاوة، لأسباب غامضة مدها بالسلاح والعتاد وتركها تواجه مصيرها، قبل أن يتبين أنه خان وطنه وتواطأ مع العدو الإسرائيلي.كان الجنرال "حلاوة" قائد الجيش السادس السوري المكلف بتحرير جبل الشيخ، من الطائفة الدرزية، وتخلى في ظروف غامضة، للإسرائيليين عن ممرات أسفل جبل الشيخ، استغلتها القوات الإسرائيلية لشن هجوم مضاد على تلك الفرق السورية المحاصرة.بينما فرقنا تخوض معارك شرسة لتدمير الحصن الإسرائيلي، شرع الإسرائيليون يخاطبوننا باللهجة المغربية عبر جهاز اللاسلكي ومكبرات صوت، أخبرونا أننا محاصرون وطالبونا بعدم الخوف والاستسلام، ما زالت أتذكر ذلك الصوت " أيها المغاربة، استسلموا أو غادي نوصلوكم حتى الملك ديالكم". كان صاحب الصوت يهوديا مغربيا.عم نوع من الارتباك في صفوف قواتنا، فتدخل الضباط وأمرونا بالتزام مواقعنا والاستعداد للأسوأ وانتظار التعليمات العسكرية. ظللنا نترقب تلك التعليمات إلى أن حل الليل لكن لا جديد.حسب معلومات قيلت لنا بعد عودتنا إلى المغرب، أن الملك الراحل الحسن الثاني استشاط غضبا عندما أشعر أن محاصرة الإسرائيليين للقوات المغربية سببها خيانة جنرال سوري. قيل لنا إنه اتصل بالجنرال الصفريوي رحمه الله، وأمره بضرورة أن تنسحب القوات المغربية من المعركة مهما كان الثمن، على أن يقع أفرادها في الأسر عند الإسرائيليين. بلغنا أنه قال بالحرف للجنرال الصفريوي " ما نبغي حتى واحد من ولادي إشدوه إسرائيليين".وقتها كانت الثامنة ليلا، كنا ما زلنا في مواقعنا ننتظر التعليمات، وبحكم التعب، استسلمت للنوم. وقتها أصدرت أوامر بالانسحاب من قمة الجبل بطريقة لا تثير انتباه العدو. غادر الجميع خلسة، باستثناء من هزمهم النوم، وكنت سأكون واحدا منهم، لولا زميلي الذي تذكرني لحظة الانسحاب وأيقظني طالبا مني مرافقته وإلا سأقع في الأسر.مصطفى لطفي

دم مغربي في الجولان8

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عبد الله إسوفغ... كاتم أسرار عبد الكريم الخطيب23

الصائمون الذين لا يؤدون الصلاة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات