حصلت على وظيفة وتزوجت في سن 19 رفيق عبد الكريم الخطيب وكاتم أسراره. كان عبد الله إسوفغ، الملقب بـ"باتريس لومومبا" المغرب، ضمن المجموعة الأولى التي أسست الحركة الشعبية الدستورية، "وشاهد عصر" على أحداث كبرى شهدها المغرب قبيل الاستقلال وبعده، أهمها الصراع التاريخي بين القصر وجزء من الحركة الوطنية، ثم حروب التصفيات الجسدية بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال. حضر ابن قصور وزوايا تاكونيت عمليات ومفاوضات اندماج الحركة الشعبية الدستورية وحركة الإصلاح والتوحيد لتشكيل حزب العدالة والتنمية، كما يعتبر ذاكرة العمل النقابي بالمغرب وأحد مؤسسي الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب. ألقينا التحية على السيد بنشهيدة (الذي قلت في حلقة سابقة إنه كان مكلفا بشؤون العمال بالميناء) ، وقدمني بنسالم الحجوجي (شقيق إدريس الحجوجي الأكبر) إليه باعتباري قريب العائلة، ومطلوب إيجاد عمل لي في المرسى.تبادل الاثنان أطراف الحديث في مواضيع مختلفة في حضوري، قبل أن يرسل بنشهيدة في طلب شخص اسمه بلفارسي، كان آنذاك مكلفا بالتكوين المهني والتداريب، ثم أشار إلي بمرافقته إلى مكتبه لإعداد ملف خاص بي.وصلنا إلى المكتب، لكن عوض أن يلتزم بلفارسي بالأوامر التي تلقاها من رئيسه بنشهيدة، اجتهد قليلا، وقرر أن يخضعني إلى امتحان أولي لمعرفة كفاءتي ومهارتي وقدرتي على مزاولة العمل، ما أغضب بنشهيدة حين أخبرته بذلك في حضور مدير الاستغلال، ورفع سماعة الهاتف وقال له: "أبنادم.. أنا قلت ليك صاوب ليه الدوصي ماشي دوز ليه الكونكور".وضع بنشهيدة السماعة غاضبا، وأرسل في طلب شخص آخر اسمه محمد التوزاني، كان يشغل، آنذاك، رئيس شؤون العمال، وهو ينتمي إلى عائلة تتحدر من طنجة، وكان يقطن بحي بوسمارة بالبيضاء، وهو صديق لمحمد بنجلون التويمي مؤسس فريق الوداد البيضاوي.التحقت بمكتب التوزاني الذي أعطاني أوراق اعتمادي، موظفا جديدا في الميناء، وطلب مني الذهاب إلى مكتب مدير الاستغلال الفرنسي "مسيو كيمان".في باب المكتب التقاني الأخير، وهنأني على حصولي على عمل، واقترح علي تناول وجبة غذاء معه في فيلا وظيفية كانت موضوعة رهن إشارته بالصخور السوداء، قرب كنيسة تحولت اليوم إلى مسجد (مسجد القدس).مازلنا في يوم الجمعة 3 نونبر 1960، وهو اليوم الذي تسلمت فيه العمل رسميا بمديرية الاستغلال مع السيد "كيمان"، وكان علي في الوقت نفسه أن أجد صيغة لتكوين حياتي بعيدا عن آل الحجوجي الذي كان لهم الفضل في تحديد الكثير من ملامح حياتي وأدين لهم بذلك.عدت إلى إدريس الحجوجي الذي ساعدني في الحصول على بيت مستقل، موظفا علاقته بالشركة العقارية الفرنسية المغربية التي كان مقرها بشارع عمر السلاوي. وجدت منزلا صغيرا للكراء قريبا من الميناء بسومة كرائية وصلت إلى 107 دراهم، وهو مبلغ باهظ بمقاييس ذلك العصر.مرت أشهر على هذا الحال، وبدأت اعتاد على عملي وحياتي الجديدة واستقلالي الذاتي، دون أن تنقطع، بطبيعة الحال، علاقتي الوطيدة بعائلي بتاكونيت، خصوصا الوالد والوالدة، اللذين كانا يتتبعان مسار هذا الشاب عن كثب وبكثير من الخوف والهلع (الله يسمح لينا من حق الوالدين).في أحد الأيام، فوجئت بطلب كان غريبا علي، وأنا لم أتجاوز بعد سن 19، حين طلب مني والدي وبإلحاح أن أودع حياة العزوبية وأدخل قفص الزواج، باعتبارات دينية أولا (لي هرب الزواج هرب الطاعة) ولاعتبارات اجتماعية ثانيا واقتصادية ثالثا وأخيرا.اعتقدت أول الأمر أن الموضوع مجرد مزحة، قبل أن أجد نفسي مرغما على الذهاب إلى العدول لتوثيق عقد زواج من زوجة لم أتعرف عليها من قبل، وكانت زوجتي الأولى رحمة الله، التي كانت من اختيار أسرتي.يوسف الساكت