رحلة مغربي في متاهة الجاسوسية عندما توجه محمد زكري بداية تسعينات القرن الماضي، وهو في نهاية العقد الثاني إلى ليبيا طلبا للعمل بعد أن أقفلت في وجهه أبواب الرزق في المغرب، لم يكن يعرف أنه سيقضي هناك عشرين سنة من حياته، مرت عليه فيها أحداث أغرب من الخيال، إذ كان شاهدا بالصدفة على حرب تجسس مستعرة بين البلد المضيف وبلده الأصلي، واكتشف أسرارا جديدة عن نفوذ بوليساريو في النظام الليبي السابق. محمد زكري، الذي بدأ رحلته الليبية بالدخول إلى متاهة الجاسوسية بتشابه أسماء كاد يودي بحياته، يروي لـ "الصباح " تفاصيل عقدين قضاهما بين سجون القذافي وقصور أقرب مساعديه، أوصله حبه لبني جلدته إلى ترؤس جمعية مغاربة ليبيا، وأنهت مقامه هناك محاولة اغتيال، إثر قصف منزله بصاروخ، وفرار مأساوي إلى المغرب.ترك سيارته أمام السفارة، وركب رفقة زوجته وابنته، حافلة المغاربة الهاربين إلى الحدود التونسية، ولم يجد عند وصوله إلى مطار محمد الخامس غير هاتفه المحمول باعه من أجل توفير ثمن سيارة الأجرة. ترك سيارته أمام السفارة، وركب رفقة زوجته وابنته، حافلة المغاربة الهاربين إلى الحدود التونسية، ولم يجد عند وصوله إلى مطار محمد الخامس غير هاتفه المحمول باعه من أجل توفير ثمن سيارة الأجرة. "يا قاتل يا مقتول" < مع طلوع فجر يوم جديد كنت قد تخلصت من محنة الاختطاف الأول أم أنك ستواجه مشاكل في اليوم الموالي؟< رغم طول المسافة التي قطعتها جريا طيلة ليلة انفجار صهريج الوقود، فقد كان هناك من يطاردني، فقد تمكن الحارس، العارف بخبايا المنطقة ومسالكها، من اقتفاء أثري، لم أكن متقدما عليه بمسافة كبيرة، إذ لم أكد ألتقط أنفاسي حتى سمعت صوت محرك "البيكوب"، أصبت بإحباط شديد، وقررت أن أقف في انتظار وصوله بعدما أيقنت أنني لن أفلت منه، وقلت في نفسي في المواجهة ستكون الحظوظ متساوية و"يا قاتل يا مقتول".من حسن حظي أن مطاردي لم يكن معه سلاح ناري، فقد ترجل من السيارة لا يحمل في يده سوى سكين من النوع الذي يكون مثبتا في مقدمة البنادق العسكرية القديمة، لكن نظراته كانت تقول إنه جاء لتنفيذ أمر بالتصفية، فكان علي أن أعيد ما فعلته مع قرب "الشاحنة_السجن"، رغم أن قواي انهارت بعد جري مسافة تفوق الماراثون.سدد ضرباته نحو عنقي، فأيقنت أنه لا يريد وضع حد لحياتي في الصحراء الخالية، انحنيت وضربته في ركبته حتى اختل توازنه وسقط أرضا، فوضعت رجلي فوق قبضة يده على السلاح، حاول أن يتمسك به، لكنه فشل في خطته. أخذت منه السكين وقبل أن يقف كنت قد غرستها في فخذه ونزعتها، حتى أعيد الكرة إذ لم أنل منه في الضربة الأولى.< كيف كانت ردة فعل السجان بعد أن تركته جريحا وسط الصحراء؟< لم يتقبل الهزيمة وأخذ يصرخ متوعدا إياي بالانتقام الشديد، وأنهم سيصلون إلي أينما كنت، حتى ولو اقتضى الأمر أن يلاحقوني في المغرب، فقلت له أنني لم أقم سوى بالدفاع عن نفسي، مرة بالكلام عندما أهانني صاحبهم، ومرة للهروب من التعذيب، وإنني لن أقتله وسأتركه حتى يجده رفاقه، قبل أن يرد "أنت بسبع أرواح".وعندما سألته عن السر وراء كل هذا العقاب من أجل عراك بسيط، قال إن الاعتقال لا علاقة له بالعراك، وإنهم يفعلون ذلك مع كل الشباب المغاربة القادرين على حمل السلاح، يقومون باختطافهم ويذهبون بهم إلى الجزائر ومن ثم إلى مخيمات بوليساريو، وإذا قبلوا يصبحون جنودا للجبهة يتمتعون بالحق في الأجر والسكن والزواج لتكوين أسرة. لم يكن هذا الكلام جديدا بالنسبة إلي، فقد سمعت أن هناك شبكات تقوم بتجنيد مغاربة ليبيا لبوليساريو، لكن عكس الذي قاله السجان، فإن الحكايات التي كنا نتداولها في ما بيننا أنه بعد ولادة طفل أو طفلين، فإنهم يقتلونهم وتسجل أسماءهم في لوائح المفقودين. ياسين قطيب