8 ساعات متواصلة للقضاء على الفتائل الصغيرة تناوب عليها 50 رجل إطفاء شرعت إدارة متاجر "زارا"، التابعة لمجموعة "أكسال"، منذ صباح أول أمس (السبت)، في إحصاء خسائرها، بعد الحريق المهول الذي شب، لأسباب مجهولة إلى حد الآن، في الطابق الأرضي الثاني من العمارة الزجاجية المنتصبة في زاوية شارع المسيرة الخضراء وزنقة المسعودي بالبيضاء. وتطلب إطفاء الحريق، الذي اندلع في مخزن للملابس المعدة للبيع، تعبئة أكثر من 30 عنصرا من الوقاية المدنية وآليات متطورة من الجيل الجديد، ضمنها الخلية المتنقلة للهواء المضغوط والإنارة. الساعة التاسعة و45 دقيقة من صباح الجمعة. الحركة شبه عادية بشارع المسيرة الخضراء في بداية يوم ثان من رمضان. لم يكن هناك ما يوحي بأن "سكان" أشهر عمارة في شارع المسيرة الخضراء والمثلث الذهبي بالمعاريف سيعيشون واحدا من أطول أيامهم، بعد نشوب حريق غير متوقع في مستودع أرضي لتخزين الملابس. صفارات إنذارقبل ذلك بربع ساعة، كان فوج العاملين والعاملات والأطر المكلفين بتأمين الفترة الصباحية أخذوا أماكنهم وشرع بعضهم في استقبال الطلائع الأولى من الزبائن في بداية موسم الصيف، الذي يعرف إقبالا ملحوظا على مختلف منتوجات العلامة الإسبانية الأشهر في العالم التي تستفيد منها مجموعة "أكسال" في إطار عقد لـ"الفـــــــرونشيز".العاشرة إلا ربع، تطلق صفارات الإنذار المبثوثة في زوايا محددة بداخل البناية، وتخترق الأصوات الصاخبة جميع الطوابق والأجنحة، إيذانا بوجود خطر ما في العمارة. تعطى الإشارة من الفريق التقني لفتح نوافذ الإغاثة والبدء في تنفيذ بروتوكول الإنقاذ الأولي، بموازاة فتح الأبواب لخروج العاملين والعاملات من منطقة الخـــــــطر.في هذه اللحظة، لم يكن الطاقم الإداري ومسؤولوه يعرفون ما يجري بالضبط، كذلك بالنسبة إلى العاملين الذين اعتقد بعضهم أن الأمر يتعلق بمحاكاة جديدة لعمليات الهروب واستعمال منافذ الإغاثة في حال وقوع الخطر.يقول المسؤول الشاب الذي يحمل في يده واقيا بلاستيكيا من الدخان "كانت الخطة تقضي أولا تفعيل جميع بنود بروتوكول الإنقاذ الذي سبق لجميع العاملين والأطر التدرب عليه، وهي مهمة أساسية يقتضي التعامل معها بحذر وبدرجة صفر من الأخطاء في محلات متخصصة في بيع الملابس وأشياء معرضة للاشتعال في أي لحظة".لم تكن سوى دقائق، حتى تأكد الجميع أن الأمر جدي هذه المرة، ولا يحتمل الهزل، حين بدأت خيوط دخان خفيف قادمة في جهة ما من البناية تخترق صالات العرض وبعض مرافقها ومكاتبها الأساسية.مكان الحريقيهب الفريق التقني المتخصص في الوقاية من الحوادث، الذي يضم عشرة أفراد على الأقل، ويشرع في التحرك في كل الاتجاهات لمعرفة مصدر خيوط الدخان، علما أن أنظمة ترصد الحرائق المزروعة في كل مكان بدأت تشتغل وأعطت نتائجها الأولى، سواء من خلال عمليات الإطفاء الأولى لمحاصرة الحريق في مهده، أو الانفتاح التلقائي لمنافذ التهوية للسماح بخروج الدخان وعدم السماح بتركز "ثاني أوكسيد الكاربون" المتسبـــــب في الانفجار. الساعة العاشرة تقريبا، يعرف، بالتحديد، مكان الحريق الذي شب لأسباب مجهولة في الطابق السفلي الثاني من العمارة الذي يضم مخزنا كبيرا للملابس المعدة للبيع.تتصاعد خيوط الدخان التي بدأت تغادر إلى خارج العمارة، في وقت كان جميع العمال والعمالات خارج البناية الضخمة، كما شرعت الطلائع الأولى من رجال الإطفاء بالوصول إلى المكان، بعد إخطارها بوجود حريق من قبل الإدارة. وفي أقل من ربع ساعة، وصلت سيارتان وشاحنة إطفاء وسيارة إسعاف تابعة للنقطة المتحركة للوقاية المدنية بمنطقة أنفا، إذ شرعت الطلائع الأولى من رجال الإطفاء في تحديد مكان الحريق والبحث عن منافذ للوصول إليه.يتعزز طاقم الإنقاذ بوصول سيارة إطفاء من الحجم الكبير، إذ سارع ثلاثة عناصر في مد أنانيب المياه التي اخترقت بابا صغيرا مؤديا إلى درج مؤدي بدوره إلى الطابق السفلي الثاني، فيما تكلف فريق ثان بمحاصرة الحريق من منفذ ثان مطل على شارع المسيرة الخضراء، وهو منفذ كبير، نسبيا، سمح لرجال المطافئ بالدخول إلى الأسفل مستعملين درجا بسلالم.أعصاب مشدودةالأعصاب مشدودة وسط الطاقم الإداري، وخوف يسكن العيون والحركات من احتمال وصول الحرائق الطوابق العليا، إذ لم يكن أحد يقدر ساعتها حجم ألسنة اللهيب التي شبت في أكوام من الملابس الجاهزة المرتبة في رفوف أسفل العمارة، وبعضها وصل حديثا استعدادا لفصل الصيف.وسط تجمهر صفير لزبناء وفضوليين وعدد قليل من المصورين الصحافيين، بدأت عناصر الوقاية المدنية تشتغل مثل خلية نحل لإخماد ألسنة الحرائق في مهدها ومنع انتشارها وسط أكوام من البلاستيك والكرتون المستعمل في تلفيف الملابس الجاهزة.الدخان الكثيف يتصاعد بسرعة مغادرا الطابق السفلي إلى خارج العمارة، وتزداد معه مخاوف الطاقم الإداري الذي نجح في تأمين المكان وتنفيذ خطة خروج العاملين والأطر دون حدوث أي إصابات أو وفيات، باستثناء أربع حالات اختناق عادية (ثلاث عاملات وعامل)، تلقوا العلاج في سيارة إسعاف قبل أن يغادروا في سلام.يقول إطار إداري لـ"الصباح" "كان الأهم بالنسبة إلينا هو عدم حدوث أي خسائر في الأرواح أو إصابات خطيرة جراء حروق، أما بالنسبة إلى الحريق فهو أمر يمكن أن يقع ويتوقع حدوثه في أي لحظة ونتدرب على ذلك باستمرار لتفادي الأسوأ". الساعة 12 عشر زوالا، مازالت خيوط الدخان الكثيف تغادر إلى الخارج حاجبة الرؤية عن رجال الإطفاء الذين يتناوبون في عمليات إخماد الحريق ضمن فرق من أربعة، أو خمسة أفراد.قبل ذلك، كانت وصلت إلى المكان شاحنة على متنها خلية الهواء المضغوط والإنارة التي تتوفر على محرك خاص لملء قارورات بالهواء. وتعتبر هذه الوحدة من الجيل الجديد من المعدات التابعة للوقاية المدنية بالدار البيضاء، وتستعمل في محاصرة الحرائق دون حدوث إصابات، أو اختناقات في صفوف رجال الإطفاء. وجود خلية الهواء المضغوط كان ضروريا لتأمين دخول عناصر الوقاية وسط سحب سوداء من الدخان تحجب الرؤية وسط المخازن.يوسف الساكت رحلة مطاردة الفتائل توزع رجال الإطفاء إلى مجموعات يحمل أفرادها قارورات أوكجسين على ظهورهم موصولة بخراطيم صغيرة مثبتة في واقية بلاستيكية توضع على الوجه، وتثبت في الخوذة الحديدية. وما إن يطمئن رجل الإطفاء من اشتغال جهازه وتزوده بالهواء المضغوط حتى يخترق سحب الدخان لمساعدة زملائه في الإطفاء وإخماد الفتائل الصغيرة الموجودة بين لفائف الملابس ويتطلب القضاء عليها تقنية خاصة.وبسبب الكمية المحدودة للهواء المضغوط، يتطلب من رجل الإطفاء عدم المكوث في الأسفل 15 دقيقة على أبعد تقدير من أجل الخروج وأخذ قسط من الراحة يكون التقنيون بالخلية انتهوا من ملء قارورتهم بهواء جديد.يقول مسؤول في الوقاية المدنية إن الخلية تضم 50 قارورة استعملت بالكامل لأكثر من 10 مرات، بمعنى أن إخماء الحريق تطلب حوالي 500 قارورة من الأوكسجين أو الهواء المضغوط، وهي عملية أساسية ومهمة في مثل هذه الظروف، إذ لا تسمح العتمة وكثرة الدخان وضيق المكان من التحرك بأريحية، مؤكدا أن هذا النوع من الحرائق، رغم مساحته المحدودة، يعتبر من أصعبها، بسبب إفرازات ثاني أوكسيد الكاربون القاتل.لم يتعب رجال الإطفاء، رغم ظرف الصيام، من الحفاظ على دورية منتظمة من الدخول والخروج من وإلى مكان الحريق. واستمرت العملية إلى حدود الخامسة عصرا، إذ جرى القضاء على آخر شعلة وسط المخازن، قبل السماح للفرق والسيارات الكبيرة بالمغادرة، بينما غادرت آخر شاحنة في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا، واضعة حدا لأطول يوم في تاريخ "زارا" في المغرب.ي.س
