ينتمي الفنان محمد المزكلدي، إلى الرعيل الأول من المطربين المغاربة الذين أسسوا لبدايات الأغنية المغربية العصرية، ومن أوائل الفنانين الذين عرفوا بالأغنية المغربية بالشرق العربي خلال مرحلة الخمسينات، عندما قضى بأرض الكنانة أزيد من 6 سنوات، مكنته من الاحتكاك عن قرب بفطاحل الطرب العربي . عبر هذه الحلقات تستعيد «الصباح» مع صاحب أغنية «العروسة» جوانب من مسار حياته الشخصية والفنية، وذكرياته مع شخصيات عاصرها. فويتح أحيى زفاف أخته كان والد محمد المزكلدي، واحدا من الوطنيين، وكان يشتغل بمطحنة عصرية للقمح، وكان للمزكلدي أخ واحد، ومن الإناث أختان، وكان هو أوسطهم.كانت بداية محمد المزكلدي مع الغناء، من خلال إعجابه بالراحل محمد فويتح، الذي أخذ صيته ينتشر بفاس، بل بلغ هذا الإعجاب إلى حد طلب المزكلدي من والده أن يستقدم فويتح لإحياء زفاف أخته، واستجاب الوالد فعلا لطلب الابن، فكانت فرصة مواتية له، لكي يشارك بأغنية من أدائه وبمرافقة جوق فويتح، وكانت الأغنية هي «يا شراعا» التي أداها المزكلدي في حضرة فويتح، الذي تنبأ له بمستقبل واعد في مجال الغناء.كان هذا الحدث أواسط الأربعينات، إذ توطدت علاقة المزكلدي بفويتح منذ هذه اللحظة، فظل الأول يتردد عليه.في تلك الفترة التحق المزكلدي بمدرسة أخرى غير مدرسة «النجاح» التي كان يتابع فيها دراسته ويديرها الهاشمي الفيلالي، لكن هذه المرة بمدرسة يديرها أحد أفراد عائلة «أكومي»، وكانت محاذية لمحل سكنى المزكلدي، وفيها تعرف على الفنان الراحل عبد الوهاب أكومي الذي كان يتردد على المدرسة، وفي تلك الفترة كان أكومي يزاول نشاطه الفني مع مجموعة من الأجواق الموسيقية المختصة في فنون الملحون والآلة الأندلسية، كما كان يؤدي أغاني بمحمد عبد الوهاب باقتدار وبشكل خاص.لم يكن في هذه الحقبة شيء اسمه أغنية مغربية، كل ما هناك الفنون التراثية والأهازيج، فضلا عن الملحون والأندلسي، ما كان يجعل الحركة الفنية في فاس دائمة الدوران رغم كل شيء.وجد المزكلدي نفسه في هذه المرحلة المبكرة من عمره منجذبا نحو الأغاني الشرقية، التي التقطتها أذناه من غراموفون الجيران، أو من أجهزة الراديو التي بدأت تغزو البيوت المغربية في تلك الفترة.لكن في الوقت نفسه لم يكتف المزكلدي بتثقيف نفسه موسيقيا من خلال الاستماع المتواصل إلى الأغاني، بل في هذه المرحلة أيضا سيلتحق بجامعة القرويين، وهناك سيجد مكتبة عامرة بكل ما اشتهت نفسه من كتب ومراجع وجد نفسه منكبا على مطالعتها والنهل من معينها خاصة مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي وأشعار حافظ إبراهيم وأحمد شوقي، وكان يتحين فرصة الدخول إليها بمجرد انتهائه من الدروس، ويقول في هذا الصدد «ثقفت نفسي من خلال مطالعاتي الحرة بمكتبة القرويين أكثر مما تلقيت من دروس بها».ويضيف «نشأ لدي ولع خاص بالشعر، حتى صرت أكتب أيضا محاولات شعرية أحاكي فيها ما كنت أقرؤه، بل إن هذه الخاصية لا زمتني في ما بعد، إذ كثيرا ما ألفت نصوص أغانيّ بنفسي».كان من بين زملائه في الدراسة خلال مرحلة القرويين الشاعر محمد السرغيني، وهو واحد من المؤسسين للشعر المغربي المعاصر.عزيز المجدوب