29 وزيرا تعاقبوا على القطاع منذ 1956 تنافسوا في مراجعة امتحانات "الباك" لم يستقر نظام الباكلوريا على حال منذ حصول المغرب على الاستقلال إلى اليوم، إذ تعاقب على وزارة التربية والتعليم والتكوين المهني حوالي 29 وزيرا، كان الواحد منهم يجهز، بمجرد انتهاء مراسم تسليم المهام، على تركة سابقه، والجلوس للتفكير في خطة جديدة وتصور لما ينبغي أن تكون عليه منظومة تعليم المغاربة في عهده، وما يكاد ينتقل إلى الأجرأة، حتى يبعد ويعين مسؤول آخر مكانه.ظل إصلاح التعليم في المغرب، منذ محمد الفاسي (1956) إلى رشيد بلمختار، عرضة لأهواء السياسة والمرجعيات والأفكار الكبرى التي تتغير بتغير الحكومات، إذ انطلق منذ 1957 مسلسل المناظرات الوطنية من أجل إيجاد وصفة مغربية إسلامية أصيلة للتعليم تقطع مع الماضي الاستعماري، وانطلقت معها حالة من التجاذبات والصراعات السياسية بين بعض رموز الحركة الوطنية والقصر الملكي، ممثلة في الراحل الحسن الثاني الذي كان يعتبر التعليم منطقة حيوية للصراع لا ينبغي الانسحاب منها أو التنازل عنها لأي أحد.في خضم هذه التجاذبات، أنتج المغرب مئات الأوراق والبرامج ومشاريع الإصلاحات والمخططات الاستعجالية التي انطلقت منذ 1973، وخضع المغاربة وأبناؤهم إلى مسلسل من التجريب والتنقيح وإعادة التجريب، وفي خضم ذلك ضاعت قيمة التعليم والشهادات، وبدأت المؤسسات الدولية تدق ناقوس الخطر حول الحالة التي وصتلها المنظومة في المغرب، كما انطلقت الاحتجاجات التلاميذية والطلابية، سيما بعد بداية انسحاب الدولة من تمويل القطاع، والتضييق على فئات معينة في حقها في الترقي الاجتماعي بصعود سلم التعليم.لم تنته الإصلاحات ومحاولات الإصلاح التي توجت قبل نهاية تسعينات القرن الماضي، بفتح استشارة وطنية واسعة انتهت بوضع الميثاق الوطني للتربية والتعليم وفي عمقه إصلاح شهادة الباكلوريا التي طرأت عليها سلسلة من المراجعات الجهوية.هذا النظام وهذا الإصلاح سرعان ما ظهرت عيوبه من جديد، حين بادرت وزارة أحمد أخشيشن إلى وضع مخطط استعجالي يتجاوز أعطاب الميثاق الوطني ويسرع من وتيرة الإصلاح، لكن محمد الوفا، الوزير الذي خلفه في النسخة الأولى من حكومة عبد الإله بنكيران، سرعان، كان رأيه مخالفا، حين شطب على المخطط وملحقاته البيداغوجية وروج إلى مراجعة جديدة لنظام الباكلوريا قال إنه سينطلق في موسم 2013/2012 بتعليمات من الملك محمد السادس، لقطع الطريق على كل من يريد تسفيه هذه الشهادة الوطنية.رحل محمد الوفا مع أول تعديل حكومي وانسحاب حزب الاستقلال، ونودي من جديد على رشيد بلمختار لتسلم حقيبة يجمع فيها بين التربية الوطنية والتكوين المهني، وهي الوصفة التي كان أهملها حين جرب أن يكون وزيرا في مرحلة عصيبة من الإصلاح (1994/1998) تناوب فيها على الحقيبة مع كل من الطيب الشكيلي ومحمد الكنيدري.في خضم هذه الإصلاحات، ضاعت البوصلة، وضربت «تلافة» المغاربة الذين تحول التعليم بالنسبة إليهم إلى بعبع كبير يقض مضاجعهم، وتحول لدى الكثيرين إلى حالة مرضية تتطلب علاجا نفسيا. والغريب أن مسلسل الإصلاح والمراجعات والمستجدات حول الباكلوريا ما زال متواصلا إلى اليوم، ومازالت وزارة التربية الوطنية تجرب وصفات جديدة من ذلك حل معضلة المترشحين الأحرار الذين لا يلتحقون بمراكز الامتحانات ويكبدون الدولة ملايين الدراهم سنويا، ثم تكييف ظروف إجراء الاختبارات ومساطر تصحيح الأجوبة لفائدة المترشحين ذوي إعاقة، وأساسا في إرساء المسالك الدولية للبكالوريا المغربية بثلاثة خيارات: فرنسية وإسبانية وإنجليزية حيث سيتم هذه السنة اجتياز أول فوج لهذه المسالك للامتحان الجهوي للسنة الأولى من سلك الباكلوريا، إضافة إلى إحداث والشروع في إرساء الباكلوريا المهنية في أربعة تخصصات.ويذكر أن المجلس الأعلى للتعليم، في آخر تقرير له، أشار إلى أهم أعطاب النظام الحالي، وقال إن النظام التقويمي الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين خصوصا بشأن شهادة الباكالوريا، لم يحقق النتائج المرجوة منه، رغم أنه بني على خلفية تربوية سليمة. لذلك وجب إعادة النظر فيه. ومن أولى الخطوات التي جاء بها المجلس الأعلى في تصوره الأخير، هو إرساء إطار وطني للإشهاد، كفيل بتنظيم وتصنيف الشهادات والدبلومات، وفق شبكة مرجعية تحددها القطاعات المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي. من شأن هذا الإطار أن يضمن الشفافية والوضوح والمقارنة بين الشهادات على أساس دليل وطني للإشهاد، وأن يمكن من تحسين أدوات تقييم التحصيل الدراسي والتكويني، وأن يضفي عليها المزيد من المصداقية والنجاعة، وأن يتيح حركية سلسة لحملة الشهادات والدبلومات، وطنيا وعلى الصعيد الدولي.يوسف الساكت