التعديل المبتور

تعديلات ستجلب الويل للأزواج وإغفال للإجهاض ونصوص بتقنية النقل والإلصاق مصطفى أشيبان * كل شيء إذا ما تم نقصان، هو ما ينطبق على مسودة مشروع تعديل القانون الجنائي وليس مسودة مشروع القانون الجنائي الذي يروج له أخيرا لما في ذلك من تباين جوهري، فالصيغة الحالية للمسودة هي من أصل القانون الجنائي المطبق بمقتضى ظهير 26/11/1962 وهو ثاني قانون صدر في عهد الاستقلال بعدما كانت سلطة الحماية تطبق قانون العقوبات الفرنسي منذ 12 غشت 1913 على المنطقة التي تقع تحت نفوذها، كما أن المسودة حقيقة ومضمونا هي نتاج مجهودات سابقة لحكومات متعاقبة يرجع لها الفضل أيضا، كما تعد المسودة ثمرة للقوانين المطبقة حاليا والتي أدخلت بدورها تعديلات على مقتضيات القانون الجنائي ومنها: القانون 38.00 (ج ر 15/3/2001)، القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، القانون رقم 24.03 المنشور بالجريدة الرسمية في 05/01/2004، القانون رقم 79.03 المعدل والمتمم لمقتضيات الاختلاس والغدر، الذي يرتكبه الموظفون العموميون بعد حذف المحكمة الخاصة للعدل (ج ر 16/09/2004)، القانون رقم 17.05 المتعلق بزجر إهانة علم المملكة ورموزها (ج ر 22/12/2005) القانون رقم 43.04 (ج ر 23/06/2006) المتعلق بمناهضة التعذيب، القانون رقم 42.05 ( ق ر 17/04/2007) المتعلق بغسل الأموال، القانون رقم 07.03 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات والقانون رقم 48.07 (ج ر 03/11/2008) المتعلق بالتصريح بالممتلكات، القانون رقم 09.09 المتعلق بمكافحة العنف بالملاعب الرياضية (ج ر 30/06/2011)....ولما كانت المسودة الحالية هي فقط جمع للتعديلات الطارئة على القانون الجنائي الأصلي وما عرفه من عدة تعديلات وتتميمات ابتداء من 2001 إلى 2011، فإنه طبقا لمبدأ الأمن القانوني، تشكل نوعا من اللا استقرار التشريعي نظرا لتغيير القاعدة القانونية المتسمة أصلا بالثبات النسبي، وذلك لعدة مرات وفي فترة قصيرة لا تتجاوز عقدا من الزمن، إذ من شأن ذلك أيضا الحد من تطور الاجتهاد القضائي المبني على فهم وتأويل وتفسير النصوص التشريعية ومن ثم المساس بالأمن القضائي المكرس دستوريا.من الملاحظ شكلا أن المسودة الحالية يتخللها عيب الإحالة المتكررة على قانون المسطرة الجنائية خاصة في ما يتعلق بالإعدام وبتقادم العقوبة ثم الرفع الملفت للنظر من الغرامات المالية بشكل يضمن فقط مداخيل طائلة لخزينة الدولة.كما تم الإبقاء على التعديلات المدخلة بمقتضى القوانين أعلاه (أكثر من عشرة قوانين) مما لا يضفي الصبغة الجوهرية في التغيير المأمول، وهذا ما يستشف من خلال الإبقاء على أرقام المواد والتقسيم المنهجي المعتمد على تكرار المادة نفسها عدة مرات فضلا على الإبقاء على التبويب السائد حاليا ثم نهج النقل من مقتضيات من مادة إلى أخرى لاحقة عليه.كما يلاحظ موضاعاتيا نهج أسلوب الإلحاق (طريقة النقل والإلصاق copier coller)، حيث أن القوانين الخاصة أدرجت بشكل مباشر سيما مقتضيات ظهير 21 مايو 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين عليها إذ أنزلت باستنساخ على المادة 440 من المسودة مكررة ست عشرة مرة (16)، كما تم بعث في هذه المسودة على التناقض ما بين مفهوم التمييز وعقابه، إذ أن النص الأصلي كان عاما وشاملا إلى حد مقبول، عكس الصيغة المقدمة حاليا والتي لا تتطابق ومظاهر التمييز المنصوص عليها في المادة 9 من مدونة الشغل، فضلا عن المادة 431 مكررة 2 التي تتراوح بين الحبس من شهر إلى سنتين وغرامة مالية من 5000 إلى 50.000 درهم والمادة 12 من مدونة الشغل التي تنص فقط على الغرامة من 15.000 درهم إلى 30.000 درهم مع مراعاة حالة العود. بتر جريمة الإجهاض من المؤسف جدا أن يتم تجريم الإخلال بالواجبات المتبادلة بين الزوجين المنصوص عليها في المادة 51 من المساكنة الشرعية من مدونة الأسرة، حيث يمكن متابعة من لا يجامع زوجته أو تملص من المساكنة الشرعية بمقتضى المادة 479 من المسودة بعد مرور أربعة أشهر، مما سيفتح الباب أمام ارتفاع طلبات التطليق مخافة المتابعة الزجرية وبذلك ستجلب هذه التعديلات الويل والمآسي للأزواج بعدما كان يطبع علاقاتهم السلم المدني، كما أن من شأن الإبقاء على المقتضى المذكور المساس بالروابط الزوجية التي لا مثيل لها في الشريعة الإسلامية والتي تنص على الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان وليس اللجوء إلى القصاص في هذه الحالة.وفي خضم المناقشة لمقتضيات الإجهاض وبدل وضع تصورات مبدئية أو الإبقاء على صيغتها الحالية في انتظار نتائج الحوار السامي بشأنها، تم البتر الكامل لجريمة الإجهاض وأحكامها ما جعلها مسودة لا تفي بالمطلوب وتحجم نفسها عن النقد الإيجابي المأمول.وما دام أن المقصود هو جمع شتات القوانين الزجرية وضمان الأمن القانوني للمواطنات والمواطنين فمن الأفضل جعل مدونة القانون الجنائي إسوة بباقي المدونات الحالية كمدونة الحقوق العينية ومدونة الشغل والأسرة تحدد كافة الجرائم وعقوباتها وترتيبها بشكل منهجي وعلمي بدل تركها في نصوص متناثرة هنا وهناك، الشيء الذي لا يتأتى إلا بعد التريث وأخذ الوقت الكافي لإخراجها جديدة كالعروس البكر يبتهج لها الجميع سواء من رآها أو من سمع عنها فقط. * دكتور وباحث في الشؤون القانونية

التعديل المبتور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قضاة وحقوقيون ينتقدون المشروع

الرميد يخنق الحقوق الدستورية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات