من التحقيقات الجنائية إلى مدرجات الملاعب برؤية التوازن بين استتباب الأمن والفرجة يترك بين الفينة والأخرى المسؤولون الأمنيون والقضائيون، الذين يتعاونون مع المجتمع المدني، بصمات لا تنسى، يتذكرها هؤلاء الفاعلون والمسؤولون عن تدبير الشأن المحلي. وبدوره ترك محمد بوزفور الذي اشتغل في أمن القصور وكذا رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بالجديدة ورئيسا للأمن الرياضي بمديرية الأمن العمومي، بصمة ستظل راسخة في السجل الأمني والمجتمعي. عندما يتم ذكر محمد بوزفور، يتبادر إلى الأذهان رجل أمن مختلفا، لا يقتصر دوره على تنفيذ القانون، بل يسعى لفهم منطق الشارع الرياضي، والتحاور مع الجماهير، وخلق توازن بين الصرامة الأمنية ومتطلبات الفرجة الكروية. قبل أن يصبح رئيسا للأمن الرياضي بمديرية الأمن العمومي، كان بوزفور أحد الأسماء البارزة في مصلحة الشرطة القضائية بالجديدة، حيث كان رئيسا لها، وارتبط اسمه قبل سنوات طويلة بتفكيك لغز مقتل الأمريكي جورج والدو سنة 2003، في ملف اختلطت فيه السرقة بالشذوذ الجنسي. وبعد سنوات قضاها في تفكيك الجرائم وقبلها في الأمن الخاص للراحل الحسن الثاني، انتقل بوزفور إلى عالم آخر لا يقل تعقيدا عن عالم الجريمة، وهو عالم الملاعب وجماهير الكرة. فالرياضة، وكما يعلم الجميع، لم تعد مجرد لعبة تمارس على المستطيل الأخضر، بل أصبحت قضية أمنية معقدة، حيث تتحول بعض المدرجات إلى مساحات للتعبير عن الغضب، وأحيانا إلى ساحات مواجهة غير محسوبة العواقب. عندما تم تعيينه مسؤولا عن الأمن الرياضي، لم يكن بوزفور مجرد رجل أمن تقليدي ينفذ التعليمات من مكتبه، بل كان يفضل أن يكون وسط الجماهير، يسمع شكاواهم، ويفهم عقلية "الإلتراس"، ويحاول تحقيق معادلة صعبة، وهي فرض الأمن دون قتل متعة الفرجة. في الوقت الذي كانت بعض الأجهزة الأمنية تعتمد مقاربة زجرية مباشرة في التعامل مع الجماهير، كان بوزفور يدعو إلى نهج جديد قائم على الحوار والتواصل، وهو ما جعله يكتسب احترام العديد من الفاعلين الرياضيين وحتى بعض روابط "الإلترات"، التي كانت ترى في بعض السياسات الأمنية مجرد وسائل للقمع بدل التنظيم. لكن مهمته لم تكن سهلة، فالكرة المغربية دخلت مرحلة جديدة، حيث لم يعد الصراع يقتصر على المستطيل الأخضر، بل امتد إلى الكواليس، وإلى علاقة الأندية بالسلطات، وإلى التدخل الأمني في تنظيم المباريات الكبرى. في الكثير من المباريات الحساسة، سواء بين الوداد والرجاء، أو خلال مواجهات المنتخبات الوطنية، كان اسم بوزفور حاضرا بقوة، سواء في عمليات تأمين الجماهير، أو في القرارات التي كانت تتخذ في الاجتماعات المغلقة قبل المباريات. لم يكن دوره مقتصرا على المغرب فقط، بل كان له إشعاع على المستوى العربي، حيث تم تكريمه من قبل اتحاد اللجان الأولمبية العربية سنة 2013، تقديرا لجهوده في تطوير الإستراتيجيات الأمنية الخاصة بالملاعب. رسم بوزفور طيلة مشواره الأمني مقاربة تشاركية، وهو الأمني المتشبع بروح العمل، ودائم الدفاع عن فكرة المقاربة التشاركية لتحقيق الأمن المجتمعي، وإشراك الفاعلين الجمعويين والإعلاميين، من أجل استتباب الأمن. كان بوزفور من بين الذين فهموا مبكرا أن الأمن الرياضي لم يعد يقتصر على حفظ النظام داخل الملعب فقط، بل يشمل التخطيط الإستراتيجي، والتنسيق بين الأندية والسلطات، والعمل على محاربة العنف الرياضي بمنطق أكثر حداثة. اليوم، ومع التحولات التي تعرفها كرة القدم الوطنية، ومع تطور مفهوم الأمن داخل الملاعب، يبقى السؤال مطروحا: هل ستتم الاستعانة ببوزفور للعب أدوار أخرى، رغم إحالته على التقاعد، أم أن مهامه انتهت بشكل نهائي؟ أحمد سكاب (الجديدة)