كيف تقرأ تقارير المجلس الأعلى للحسابات؟ أعتبر تقارير المجلس الأعلى للحسابات ذات أهمية، لأنها لا تكشف فقط عن مدى احترام الحكومة لمبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بل لأنها تعكس أيضا الاختلالات والتجاوزات التي تعرقل مسار التنمية ببلادنا. وللأسف، وكما تعودنا في السنوات الماضية، نجد أنفسنا أمام تساؤل جوهري، ما الجدوى من هذه التقارير إن لم تكن هناك محاسبة حقيقية؟ لقد ألفنا أن تصدر المحاكم المالية تقارير تفصل في الاختلالات المالية والإدارية وسوء التدبير في عدة قطاعات، لكن هل تغير شيء؟ الجواب طبعا .لا. قدمت الحكومة مجهودا ماليا لتنزيل الحماية الاجتماعية، هل نجحت في ذلك وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات؟ لا تزال فئات واسعة خاصة في المناطق النائية، محرومة من الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، رغم الميزانيات الضخمة المرصودة لهذا القطاع. والفجوة واضحة بين الخطط المعلنة، والواقع الفعلي الذي يؤكد أن هناك إشكالات في التسيير والتوزيع العادل للموارد. ورغم وعود الحكومة بتوسيع التغطية الصحية، يسجل التقرير تأخيرات كبيرة في التنزيل، ما يفاقم معاناة المواطنين، خصوصا الفئات الهشة، التي لا تستطيع تحمل تكلفة العلاج، أو العيش بدون حماية اجتماعية مناسبة، مع ارتفاع معدل البطالة، الذي وصل إلى ربع المغاربة. وكشف التقرير الأخير رصد موارد مالية مهمة، مخصصة للحماية الاجتماعية، دون أن يكون هناك أي أثر ملموس على جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين. فإلى متى يستمر هذا الوضع؟ وأرى أن استمرار الاختلالات نفسها، وعدم التجاوب الحكومي مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وغياب الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات الحقيقية، عوامل تعرقل مسار التنمية في بلادنا. وإذا كنا نريد حقا إرساء دولة المؤسسات، فإن المطلوب اليوم هو اتخاذ قرارات شجاعة، وتحويلها إلى آليات إلزامية تجبر المسؤولين على تصحيح أخطائهم، وإلا فإننا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة نفسها. لهذا دعوت في البرلمان المسؤولين، تنزيل توصيات المجلس الأعلى للحسابات، التي يجب أن تتحول إلى التزامات قانونية وإدارية صارمة، لا أن تبقى مجرد ملاحظات تتلى دون أثر على أرض الواقع. والمطلوب اليوم ليس فقط نشر التقارير، بل تفعيل آليات مراقبة حقيقية وربط التوصيات بمسؤوليات واضحة، حتى لا يتحول هذا التقرير إلى مجرد وثيقة شكلية تستعرض دون أن يكون لها أي وقع على السياسات العمومية. هل هناك قطاعات أخرى تشكو استمرار الاختلالات و من الواجب معالجتها؟ ليست لدي مساحة أكبر لسرد عدد القطاعات، التي تتطلب تدخلا مستعجلا، وسأكتفي بتأكيد اختلالات تقنين التعليم العالي الخاص، مقارنة بالتعليم العمومي، إذ لا يوجد توازن حقيقي في الضوابط المفروضة على مؤسسات التعليم العالي الخاصة، وقد تركز القوانين والضوابط على الجوانب المالية، أكثر من الجوانب الأكاديمية أو البيداغوجية. وأسجل وجود نقص في فعالية الأجهزة الرقابية للتأكد من احترام المؤسسات الخاصة للمعايير الأكاديمية، ما يؤدي إلى تدهور الجودة في بعض الحالات، وهو أمر ينعكس سلبا على مستوى التعليم وعلى سوق العمل. أجرى الحوار: أحمد الأرقام لحسن نازهي (منسق مجموعة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين)