نظـام دون فعاليـة

في صباح هادئ، جلس الطالب (م.س) أمام حاسوبه مستعدا لإتمام تسجيله في إحدى المؤسسات التعليمية. كان كل شيء يبدو بسيطا: موقع إلكتروني حديث،وتعليمات واضحة، وخيار رفع الوثائق المطلوبة بسهولة. دقائق قليلة كانت كافية لإدراج نسخة من شهادة الباكلوريا، وبطاقة التعريف الوطنية، وشهادة السكنى،وبعد تأكيد استلام الطلب، شعر الطالب بالاطمئنان، متأكدا أنه ضمن مقعده الدراسي دون الحاجة إلى أي عناء إضافي. لم يدم هذا الاطمئنان طويلا، فبعد أيام، علم من أصدقائه أن الحضور شخصيا إلى المؤسسة لإيداع الوثائق الورقية والتأكد من صحة المعلومات أساسي في عملية التسجيل! لم يفهم في البداية جدوى هذا الإجراء، لكنه قرر الامتثال، حينها توجه إلى المؤسسة التعليمية وهو يحمل ملفه، ظانا أن الأمر لن يستغرق سوى دقائق، لكن سرعان ما اكتشف أن رحلته مع الرقمنة المعطوبة لم تنته بعد. الرقمنة مجرد واجهة شكلية عند وصوله إلى شباك التسجيل، فوجئ الموظف بأن الوثائق، رغم أنها مطابقة تماما لما تم تحميله على الموقع، تحتاج إلى «المصادقة عليها» لدى السلطات المحلية، فتساءل الطالب عن سبب هذه الخطوة، إذ يفترض أن يتم التحقق من صحتها رقميا، لكن الموظف اكتفى بالإجابة: «هذه هي الإجراءات المعتمدة!». اضطر الطالب إلى مغادرة المؤسسة والتوجه إلى أقرب ملحقة إدارية، وهناك، واجه مشهدا آخر من البيروقراطية: طابور طويل من المواطنين يحملون أكواما من الأوراق، وموظفون يعملون بوتيرة بطيئة، فيما تتزايد علامات القلق على وجوه المنتظرين. بعد ساعات من الوقوف، جاء دوره أخيرا، لكن المسؤول أخبره أن المصادقة تتطلب بعض الوقت، بينما هو مطالب بالعودة إلى المؤسسة التعليمية، قبل نهاية فترة التسجيل. سباق مع الزمن في ظل غياب النجاعة الرقمية مع اقتراب انتهاء آجال التسجيل، وجد الطالب نفسه في سباق مع الزمن، فقد كان عليه أولا الحصول على الوثائق المصادق عليها، ثم الوصول إلى المؤسسة التعليمية، قبل أن يغادر الموظفون مكاتبهم. لم يكن الأمر سهلا، فالإدارة تعمل وفق أوقات محددة، وأي تأخير يعني فقدان فرصة التسجيل، حينها ازداد توتره وهو يتنقل بين المكاتب، محاولا استدراك التأخير، فيما كان هاجس ضياع السنة الدراسية يطارده. طرح الطالب السؤال نفسه: لماذا طلب منه رفع الوثائق رقميا إن كان عليه إعادة العملية نفسها يدويا؟ ألا يُفترض أن تكون الرقمنة وسيلة لتيسير الإجراءات بدل تعقيدها؟ في ظل هذه الممارسات، يبدو أن «التحول الرقمي» في المغرب مازال مجرد شعار، بينما تظل الإدارة رهينة الورق والتوقيعات والختم الإداري. نحو رقمنة حقيقية لا شكلية يقول الطالب عن تجربته أن «ما يحتاجه المغرب ليس مجرد مواقع إلكترونية جذابة، بل يحتاج نظاما رقميا متكاملا يغني المواطنين عن التعامل الورقي المرهق، فالرقمنة الحقيقية تعني أن تكون الوثائق التي يتم تحميلها على المنصة الإلكترونية كافية لإتمام المعاملات دون الحاجة إلى إعادة المصادقة أو تقديم نسخ ورقية، كما تعني تفعيل التواصل بين المؤسسات، حتى لا يطلب من المواطن تكرار الخطوات نفسها في كل مرحلة. ما عاشه (م.س) ليس حالة معزولة، بل هو نموذج لمعاناة الكثيرين في ظل نظام رقمي غير فعال، وبينما تستمر الإدارات في الترويج لمشاريع الرقمنة، يبقى المغربي عالقا في دوامة الإجراءات اليدوية، يتساءل: هل سنشهد يوما رقمنة حقيقية، أم أن البيروقراطية ستظل هي القانون الذي لا يقبل التطوير؟ خالد العطاوي

نظـام دون فعاليـة

مؤسسات تعليمية تفرض رفع وثائق التسجيل بموقعها الإلكتروني وتصر على حصولها ورقية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حصيلة هزيلة

محنة من أجل تسديد مخالفة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات