مع اقتراب كل استحقاق انتخابي تتخذ الدولة إجراءات وتدابير لتحسين أداء الجماعات المحلية وتصحيح أخطائها من خلال وضع ترسانة من القوانين والإجراءات بهدف تقويض هامش هدر المال العام والتلاعب بمصالح المواطنين. ومن بين النقط السوداء التي انتبهت إليها سلطات الوصاية، واستأثرت باهتمام المشرع وأفرد لها حيزا مهما، مشكل الصفقات العمومية بالجماعات المحلية، في محاولة لمنع تفويتها بطرق مشبوهة لجهات معينة دون غيرها، وهكذا ألزم المشرع الوحدات الترابية باحترام قوانين صارمة في هذا الصدد، منها إنجاز دفتر تحملات واضح المعالم، ونشر إعلان الصفقات بالجرائد والبوابة الإلكترونية الوطنية، والإعلان بشكل صريح عن القيمة التقديرية لإنجاز الدراسة، أو المشروع، ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص وحتى يتمكن جميع المتنافسين من المشاركة دون قيود. لكن مع كامل الأسف بقدر ما تبذل الدولة مجهودات جبارة لتصحيح الأوضاع وتقويم كل اعوجاج بالجماعات المحلية، بقدر ما تجتهد لوبيات الفساد والقوى المناهضة للتغيير في ابتكار آليات وطرق جديدة لمقاومة وإجهاض كل محاولة للإصلاح، والأقاليم التي يوجد بها العديد من الجماعات الغنية، تعد نموذجا صارخا ومرتعا لانتشار لوبيات مصالح دون حسيب ولا رقيب. وكلما دنا موعد الاستحقاقات الانتخابية، تتعرض المجالس المنتخبة لهجمات شرسة من قبل مكاتب دراسات، ومقاولات بعينها تجد المساندة والحماية، والمجال خصبا للهيمنة والاستحواذ على أغلب الصفقات الدسمة، تماما كما يحدث في جهات الرباط سلا القنيطرة، وبني ملال خنيفرة، وطنجة تطوان الحسيمة، والعيون الساقية الحمراء، وغيرها. وبعد فشل أحد مكاتب الدراسات المحظوظ في نيل "كعكة" أحد المجالس الكبيرة، زحف نحو مدن صغيرة، فكان الموعد هذه المرة مع غنيمة دسمة بالجماعة "المليارديرية» التي فاز بها بالدراسة، فيما رست صفقة إنجاز المشروع على مقاولة تربطها علاقة وطيدة بمكتب الدراسات نفسه، في واحدة من أضخم الصفقات التي فتحت شهية هذا اللوبي، لتشمل العديد من الجماعات المجاورة بأثمنة باهظة جدا، وتفوق بكثير أسعار السوق. نعم، لقد حان الوقت ليتم تحديد المسؤوليات، والكشف عن أصحاب الحل والعقد الذين ينجزون دفاتر تحملات على مقاس جهات معينة محظوظة وفضح التواطؤ المكشوف للجهات المعنية بالمصادقة على دفاتر التحملات والتي تضرب في العمق المنافسة الشريفة، وتقصي بشكل ممنهج المقاولات الوطنية الشابة، فمن غير المعقول أن يعلن عن فوز مكتب الدراسات نفسه والمقاولة نفسها، دون غيرهما بأغلب الصفقات الدسمة، ليبقى هذا الملف مطروحا على طاولة صناع القرار في المديرية العامة للجماعات المحلية، والجهات الموكول لها مراقبة أوجه صرف مالية الجماعات من مجلس جهوي للحسابات والمجلس الأعلى للحسابات، ويتم فتح تحقيق نزيه وشفاف في الطريقة التي يتم بها تفويت الصفقات الدسمة للمحظوظين. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma