معركة «دونكيشوطية» بين ناكري الإحصاء والمدافعين عنه وعدم تفسير النتائج أفرغه من مضمونه وجه عدد كبير من المغاربة انتقادات لاذعة لنتائج الإحصاء، في شقها المتعلق بعدد الناطقين بالأمازيغية، إذ ما تزال "هراوات" النقد والتشكيك تنهال على رأس المندوبية، ما دفع إلى الخروج عن الصمت، وتبرير منهجية إجراء الإحصاء. وصب مناضلو الأمازيغية والمهتمون بالثقافة جام غضبهم على المندوبية، واعتبرها البعض طرفا في الصراع السياسي والهوياتي في المغرب، الذي بلغ مداه في الآونة الأخيرة، غير أن رقم 25 في المائة، خيب الآمال وأدخل الريبة إلى النفوس. وقالت المندوبية في محاولة للرد على موجات النقد، إن نتائج الإحصاء تتعلق بالاستعمال اليومي لمختلف التعابير اللغوية للغة الأمازيغية، معتبرة أن الأمر لا يتعلق باللغات التي يعرفها المغربي، بل التي يستعملها يوميا، مبرزة أن من يعرف الأمازيغية ولا يستعملها بشكل يومي لا يتم احتسابه ضمن خانة الناطقين. وسبق للمندوبية أن قالت إنها لا تقوم بإحصاء عرقي، وهذا واضح من خلال الأسئلة، إذ لا يسائل مسؤول الإحصاء المواطنين عن هل هم أمازيغ أم عرب أم أوربيون، بل يسائل عن اللغة التي يستعملونها. وتعبر هذه النتائج عن شعور لدى الناطقين بالأمازيغية، تم التعبير عنه في مواقف كثيرة، يتعلق بالخوف من الانقراض للثقافة واللغة الأمازيغية، التي لا يتصور كثيرا منا مغربا بدون أمازيغية، والنقد الشديد تعبير عن غضب من مؤسسات الدولة، التي لا تقوم بما يكفي من الجهد لحماية الأمازيغية من الاندثار. وأول ما بدأت به مندوبية بنموسى توضيحاتها، أن الأمازيغية لغة رسمية منذ 2011، معتبرا أنها مكون أساسي من المكونات الثقافية واللغوية للبلاد، لكن هل الأرقام التي كشفها الإحصاء تعبر عن رسمية الأمازيغية واعتبارها مكونا أساسيا للهوية، وهل التراجع المستمر لعدد الناطقين بها، تهديد للهوية الثقافية واللغوية بالبلاد، أم أن الأمر عاد؟. ويحيل هذا السؤال على مسألة غريبة، متمثلة في عدم تفسير نتائج الإحصاء وإصدار توصيات لصناع القرار والمجتمع المدني، فكيف تقدم المندوبية أرقاما باردة وجامدة، ولا تقدم أسباب التراجع وكيفيات الاستدراك، وهو ما يعتبر أن الإحصاء طقس دوري يجب القيام به فقط، إذ لا يمكن منح صانع القرار أرقاما جامدة دون تفسير واقتراحات. ومن عجائب الأمور، أن البعض ينتقد رقم المندوبية المتعلق بالإحصاء، وفي الوقت نفسه يستعمل أرقام المندوبية في البطالة والفقر والعزوف عن الزواج، لانتقاد الحكومة، فإذا كان رقم الأمازيغية فاسدا، فبالضرورة جميع الأرقام فاسدة، إلا إذا كان البعض يعتبر المندوبية لاعبا سياسيا في الساحة. ودق الرقم الأخير ناقوس الخطر، وإذا ما أراد ربع المغاربة الناطقين بالأمازيغية الحفاظ على لغتهم، فإن العمل يجب أن يتضاعف، ويتكلمون بلغتهم في المنازل مع أبنائهم، وفي حياتهم اليومية، إذ لا يمكن التباكي على الأمازيغية وهناك أشخاص غير قادرين على توريث أبنائه لسانهم الأصيل. ويسائل رقم 25 في المائة أيضا رواية الدولة حول الأمازيغية، إذ كيف يعقل أنها دخلت التعليم قبل 20 سنة والإعلام قبل ثلاثة عقود، وأصبحت لغة رسمية للدولة قبل 13 سنة، ورغم ذلك مستمرة في التراجع، أي أن "موال" الرسمية لم يساهم في توسيع قاعدة النطق بالأمازيغية. ويعتبر الرقم أيضا ختما على فشل جماعي للمغاربة في صون لغتهم الأم، حكومة ومواطنين، بل إن جزءا من ثلاثة أرباع المغاربة الذين فقدوا لغتهم، أصبحوا يشتغلون ضدها، ويحاربونها أكاديميا بإلحاقها بالعربية، أو تسفيهها والتشكيك فيها، فكيف لا يكون رقم 25 في المائة صحيحا؟. عصام الناصيري