في كل نهاية عام، تنهال حفلات اختيار "شخصية السنة"... أسماء براقة، منها ساسة وأثرياء ونجوم وشخصيات "ملهمة" يتصدرون المشهد... لكن أين هم أبطال الظل؟ أين ذاك المغربي، الذي لا تسلط عليه أضواء الكاميرات، ولا عبارات المديح، لكنه يحمل هم وطن بأكمله؟ دعونا نعرف بشخصية السنة الحقيقية، إنه المغربي البسيط، الذي كابد، طيلة السنة التي نودعها، لمواجهة ارتفاع أسعار الخضر وكأنها سلع نادرة، واشترى الطماطم كأنها ياقوتة، والدجاج كأنه حلم بعيد المنال. هو من يعيد حساباته يوميا في المتاجر والأسواق، ليتأكد أن راتبه (إن وجد) سيكفيه إلى نهاية الأسبوع، دون أن يغامر بشراء شيء "تافه"، مثل علبة شوكولاتة لأطفاله. شخصية السنة هو ذاك المواطن لم ترهقه "حرب الأسعار" فقط، بل خاض معركة طاحنة في المستشفيات، باحثا عن سرير شاغر أو دواء مفقود، كما واجه نظاما صحيا يعاني، لكنه قاوم بإرادته ورباطة جأشه، وحين يعود إلى المنزل، يحمل هم تعليم أطفاله وسط مصاريف مضاعفة، ليضمن لهم شيئا أفضل من هذا الواقع. واجهت شخصية السنة أيضا، طوابير الانتظار الطويلة، من أجل ورقة إدارية بسيطة تحتاج إلى توقيع ينقش ببطء، وكأن الزمن لا يعني شيئا. صبر في المكاتب الضيقة، تحمل نظرات الموظفين المتعبة، بل وربما دفع "ثمن القهوة" لتسريع ملفه، لأنه تعلم أن العدالة الإدارية مجرد فصل آخر من رواية خيالية. ولأنه مغربي، فهو لا يخاف فقط من الغلاء أو المرض، بل يواجه أيضا معركة يومية مع النقل العام، وينتظر الحافلات المزدحمة التي قد لا تصل أبدا، أو يختار سيارة أجرة مشتركة حيث يُقاس حظه بمدى رغبة السائق في احترام القانون. ومع ذلك، يذهب إلى عمله متأخرا قليلا، متعبا كثيرا، ولكنه ينجز مهامه بإخلاص، لأن الكفاح ليس خيارا، بل أسلوب حياة. ورغم كل هذا، شخصية السنة هذه لم تتخل عن مبادئها، ولم تنخرط في الحملات "الفيسبوكية" المشبوهة التي تحاول زعزعة قيمها الوطنية، ورفضت بيع صوتها في الانتخابات، واحتفظت بقناعاته كما تحتفظ بقوتها اليومي بصعوبة. إنها شخصية لم تحتج إلى خطابات رنانة أو شعارات جوفاء لتثبت وطنيتها، بل عبرت عنها بصمودها اليومي، فلم تقامر بحب الوطن في سوق المزادات السياسية، ولم تسقط في مستنقع "الهجرة غير القانونية"، لأنها تدرك أن البحر يبتلع الأحلام ولا يحققها. أيها المواطن البسيط، نرفع لك القبعة! ربما لن تجد صورتك على غلاف مجلة أو في حفل فاخر، لكنك شخصية السنة بامتياز. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma