التمور… تحديات الطبيعة وضغوط المنافسة

تحت شعار الواحات المغربية من أجل نظم قادرة على الصمود في ظل التغيرات المناخية، أسدل الستار على فعاليات الدورة الثالثة عشرة للمعرض الدولي للتمور في أرفود لعام 2024، نهاية الأسبوع الماضي، والتي استقطبت عارضي التمور من مختلف أنحاء المغرب وحظيت بمشاركة واسعة من الفاعلين في قطاع النخيل على المستوى الدولي، وقد شكل المعرض فرصة لإعادة النظر في التحديات التي تواجهها الواحات، التي باتت تعاني ضغوطا متزايدة انعكست على تراجع إنتاج التمور هذا الموسم إلى 103 آلاف طن، نتيجة الجفاف الحاد والتغيرات المناخية القاسية. ورغم أن الأمطار الأخيرة بعثت بعض الأمل في انتعاش الموارد المائية ومخزون السدود، إلا أن المعرض واجه بعض العقبات، حيث أثر توقيت تنظيمه على مستوى الإقبال. وفي ظل تحديات الطبيعة وضغوط المنافسة، تثار التساؤلات حول مدى قدرة هذا الملتقى على دعم التنمية المستدامة للواحات وتعزيز الاقتصاد المحلي. إنجاز : عبد الجليل شاهي (أكادير) شهدت الدورة الثالثة عشرة للملتقى الدولي للتمور بأرفود حضورا مميزا، حيث شارك 235 عارضا من المغرب وتسع دول أخرى، واستقبل المعرض أكثر من 91000 زائز، ورغم بعض ملاحظات العارضين حول انخفاض الإقبال، فقد حقق المعرض مبيعات تجاوزت 37 مليون درهم. تمحورت فعاليات الملتقى، الذي يعكس تنوع وثراء قطاع التمور، حول سبعة أقطاب رئيسية، من أبرزها قطب الجهات الذي يسلط الضوء على الخصائص المميزة للمناطق الأربع الكبرى لإنتاج التمور، والمتمثلة في درعة تافيلالت، الجهة الشرقية، سوس ماسة، وكلميم واد نون، كما ضم الملتقى أقطابا أخرى للمؤسسات والرعاة، وقطبا دوليا جمع منظمات دولية متخصصة في سلسلة إنتاج النخيل، إضافةً إلى عارضين من دول أخرى منتجة للتمور. وفي إطار التنوع في العرض، شمل الملتقى قطب اللوازم والمكننة الفلاحية الذي استعرض أحدث التقنيات في مجالات البذور، والأسمدة، والمعدات الزراعية، وأجهزة الري، بهدف دعم التنمية الزراعية المستدامة، كما تم تخصيص فضاء للأطفال لتوعيتهم بقضايا البيئة والمناخ وتعريفهم بأهمية الواحات، إذ استمتع أكثر من 1000 طفل وطفلة بفعاليات توجيهية وترفيهية خلال الأيام الأولى من الملتقى، كما شملت الفعاليات فضاء المؤسسات، وفضاء الرحبة الذي يحتضن التعاونيات ومجموعات النفع الاقتصادي، إضافةً إلى جناح خاص بالمقاولات الفلاحية والأبحاث العلمية. البيوض ينهك التمور يواجه قطاع نخيل التمر في المغرب تحديات جسيمة، يأتي في مقدمتها مرض البيوض الذي قضى على حوالي 8 ملايين نخلة من إجمالي 12 مليون نخلة، ويؤدي هذا المرض الخطير إلى تيبس السعفات السفلية للنخيل وجفافها، ثم موت النخلة تدريجيا، بينما تبقى الشتلات المجاورة للنخلة المصابة سليمة، وهو ما يميز البيوض عن الجفاف. رغم محاولات الفلاحين لمكافحة المرض بحرق جذوع النخيل المصاب، إلا أن الفطريات المسببة له تعيش في الجذور وتنتقل عبر التربة، مما يجعل السيطرة عليه بالغة الصعوبة، وفي ظل غياب حلول جذرية، تبذل جهود لتطوير أصناف نخيل جديدة تتمتع بمقاومة للبيوض وجودة عالية، سعيا للتعايش مع هذا المرض وتقليل آثاره السلبية على القطاع. كما يعد قطاع نخيل التمر إحدى الركائز الاقتصادية الأساسية لواحات المغرب، إذ يسهم بمبيعات سنوية تتراوح بين 1.25 و2.86 مليار درهم، وفقا لجودة وإنتاج المحصول بين عامي 2008 و2020، ويؤمن هذا القطاع دخلا ثابتا للفلاحين، محققا قيمة مضافة سنوية تقدر بنحو 1.21 مليار درهم في الفترة بين 2010 و2019. الجفاف والحرائق تدفع إلى الاستيراد يشهد قطاع إنتاج التمور في المغرب تحديات كبيرة نتيجة للجفاف المستمر، مما سيدفع لزيادة الاستيراد من الدول العربية في الأشهر المقبلة، وانخفض محصول التمور في الموسم الحالي بنسبة 10%، ليصل إلى حوالي 103 آلاف طن، في تراجع ملحوظ مقارنة بالموسم السابق. كان لسنوات الجفاف المتتالية في مناطق الواحات لها تأثير كبير على المحصول، الذي بلغ 149 ألف طن في عام 2020، تلا ذلك انخفاض حاد إلى 115 ألف طن في العام الماضي، ثم انخفض مرة أخرى إلى 103 آلاف طن في العام الحالي. هذا التراجع في الإنتاج دفع إلى تكثيف الاستيراد، إذ أظهر التقرير السنوي لمكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية أن الواردات ارتفعت في العام الماضي إلى 132 ألف طن، مقارنة بـ109 آلاف طن في عام 2022 و113 ألف طن في عام 2021. تأثرت أشجار النخيل أيضا بشدة جراء ضعف الأمطار والحرائق التي اجتاحت بعض الواحات المنتجة للتمور في جنوب شرق المملكة، فقد تقلصت المساحة المزروعة بالنخيل إلى 51.6 ألف هكتار، على الرغم من أن المساحة الإجمالية التي يمكن تغطيتها بالنخيل تصل إلى 66 ألف هكتار، كما انخفض عدد أشجار النخيل من حوالي 15 مليونا في بداية القرن الماضي إلى نحو 6 ملايين نخلة حاليا، بسبب الأمراض والزحف العمراني والجفاف. مع حلول موسم جنى التمور في واحات الجنوب الشرقي، التي تسهم بـ80% من الإنتاج، تراجعت الكميات المنتجة بنسبة تتراوح بين 15% و20 نتيجة قلة تساقط الأمطار، وقد أدت هذه الظروف إلى ارتفاع أسعار التمور، حيث قفز سعر صنف "المجهول" من 90 درهما و100 درهم للكيلوغرام إلى 130 درهما. ويتوقع أن يستمر المغرب في الإقبال على استيراد التمور من الدول المنتجة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة مع اقتراب شهر رمضان، الذي يشهد زيادة كبيرة في الطلب على التمور. وقد كان المغرب يأمل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من التمور، خاصة بعد تخصيص 17 ألف هكتار لزراعة جديدة خارج الواحات. كما راهنت الحكومة في السنوات الأخيرة على إنشاء وحدات للتبريد بهدف الحفاظ على التمور، التي كانت تتعرض لانخفاض الأسعار بسبب وفرة العرض في فترات معينة من العام، ستساهم هذه الوحدات في تحسين الإيرادات، وبالتالي تعزيز القدرة الشرائية في مناطق الواحات. ويعتبر المغرب، المنتج الثاني عشر للتمور في العالم، يسعى لتحقيق تطور في سلسلة النخيل، حيث يأمل في الوصول إلى إنتاج يصل إلى 300 ألف طن بحلول 2030، لتحقيق هذا الهدف، إذ تم تخصيص ميزانية تقدر بحوالي 750 مليون دولار، مما سيمكن من زراعة خمسة ملايين نخلة، ودعم التعاونيات، وتطوير قنوات التوزيع والتسويق، وتعزيز الصادرات. المنافسة العالمية يواجه قطاع التمور المغربية، وخاصة صنف "المجهول"، منافسة عالمية متزايدة مع توسع زراعة النخيل وإنتاج التمور في العديد من الدول. وتعد تمور "المجهول" من أبرز أنواع التمور المغربية التي نجحت في الوصول إلى الأسواق العالمية لما تتمتع به من جودة ونكهة فريدة، غير أن هذه الشهرة جذبت اهتمام دول أخرى، حيث بدأت بعض الدول في إنتاج تمور "المجهول" من أصول مغربية، مما خلق علامة تجارية جديدة لهذا الصنف باسم المجهول الإسرائيلي و المجهول الأمريكي والمجهول الأردني، دون الإشارة إلى أصلها المغربي. وتمثل زراعة التمور عالميا قطاعا ينقسم إلى منطقتين رئيسيتين، العالم القديم الذي يشمل شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والعالم الجديد الذي يضم دولا مثل الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وأستراليا والأردن وموريتانيا، و في هذه الدول، باتت زراعة النخيل جذابة اقتصاديا، نظرا للمردودية العالية للتمور، مما دفع العديد منها إلى التركيز على تطوير زراعة التمور واستنساخ أنواع كالمجهول. وتشكل مهرجانات التمور في الدول العربية والمشاركة المغربية بها فرصة للترويج للتمور المغربية، حيث تشهد دول عربية شقيقة، مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والسودان وموريتانيا، تنظيم مهرجانات تمور تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري وتعريف المستهلكين العالميين بتنوع المنتجات العربية والمحلية، ويأتي المغرب ضمن هذه الدول التي تنشط في تنظيم مهرجانات للتمور، مما يفتح المجال لتقوية حضور التمور المغربية في السوق الدولي وإبراز تميزها عن المنافسين. ورغم المنافسة الشديدة، يظل الحفاظ على الأصالة المغربية لتمور "المجهول" محورا إستراتيجيا للمغرب، حيث تسعى الدولة لدعم التعاونيات الزراعية وتطوير قنوات التوزيع والتصدير لضمان استمرار التمور المغربية في حجز مكانتها في الأسواق العالمية، وتعزيز علامة المجهول المغربي كأصل لهذه التمور المميزة. منتجات مبتكرة يعمل المغرب على تعزيز مكانة التمور في الأسواق المحلية والدولية، من خلال تطوير منتجات مبتكرة تضيف قيمة جديدة لهذا المورد الزراعي المهم، ومن أبرز هذه المنتجات كريات الطاقة المصنوعة من التمور، التي تقدم وجبة خفيفة ومغذية مناسبة للرياضيين والأشخاص الباحثين عن بديل صحي للطاقة، كما تتميز كريات التمر بقيمتها الغذائية العالية، حيث تجمع بين فوائد التمر وسهولة تناولها في أي وقت. إضافة إلى ذلك، أصبحت زبدة التمر منتجا عصريا يلبي احتياجات المستهلكين الباحثين عن بدائل طبيعية وصحية للزبدة التقليدية، وهي غنية بالألياف والفيتامينات وتعد إضافة مميزة للمائدة سواء كإضافة للفطور أو لتحضير الحلويات. وسعى كذلك، المغرب إلى تنويع منتجاته عبر التمر المحشو بأكثر من 40 نوعا من الحشوات، حيث تتنوع الحشوات بين المكسرات مثل اللوز والجوز، والفواكه المجففة كالتين والتوت البري، وحتى الشوكولاتة والعسل، وتعد هذه المنتجات خيارا فاخرا يلائم مختلف الأذواق ويجعل من التمر المغربي منتجا راقيا يتماشى مع احتياجات الأسواق العالمية. أما عسل التمر، فهو منتج ذو جودة عالية يستخرج من عصارة التمر ويستخدم بديلا صحيا للسكر ومكملا غذائيا. يتميز عسل التمر بنكهته الفريدة وغناه بمضادات الأكسدة والمعادن، مما يجعله منتجا مميزا في أسواق الصحة والتغذية، كما ساهمت هذه المنتجات المبتكرة في إعطاء التمر المغربي قيمة مضافة، وساعدت على تعزيز مكانته في الأسواق الدولية بفضل تنوع استخداماته وتلبية رغبات المستهلكين حول العالم. جائزة خليفة الدولية أبرزت جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي أهمية التمور المغربية، خاصة صنف "المجهول"، من خلال إطلاق كتاب فريد من نوعه بعنوان المجهول، درة التمور، وهو أول عمل يوثق تاريخ وأصل هذا الصنف الفريد، وجاء هذا الكتاب ثمرة تعاون بين الأمانة العامة لجائزة خليفة والمعهد الوطني للبحث الزراعي في المغرب، وقام بتأليفه كل من الدكتور عبد الوهاب زايد، الأمين العام للجائزة، والدكتور عبد الله وهبي. شارك في إعداد هذا الكتاب ثمانية وزراء زراعة من دول منتجة لصنف المجهول، إلى جانب أربع منظمات دولية كبرى، وهي إيكاردا، إكساد، أرينينا، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، بالإضافة إلى 44 باحثا وخبيرا أكاديميا من 18 دولة حول العالم، و أكد هؤلاء الخبراء بالدليل القاطع أن صنف المجهول يعود أصله إلى منطقة بودنيب في المملكة المغربية، وانتقل إلى ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة خلال 1927، حيث تم إكثاره وانتشاره دوليا. بالتزامن مع هذا الإنجاز، أعلنت جائزة خليفة عن إطلاق الكتاب الثاني بعنوان الخريطة المناخية لأصناف التمور المصرية، الذي يهدف إلى تعزيز فرص الاستثمار في قطاع التمور بمصر وتحقيق الجدوى الاقتصادية بالتعاون مع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية. وعلى هامش هذا الإعلان، تم توقيع بروتوكول تفاهم لتمويل إنتاج فيلم وثائقي يستعرض تاريخ صنف المجهول المغربي الممتد على مدى 100 عام، والذي نجح في الوصول إلى الأسواق العالمية، و سيبرز الفيلم الجانب العلمي المتعلق بهذا الصنف عبر شهادات ودراسات من خبراء عالميين، في خطوة لتثمين هذا الكنز من التراث الزراعي المغربي. ومنذ انطلاق المهرجان في 2010، تشارك جائزة خليفة لنخيل التمر والابتكار الزراعي بانتظام، حيث كانت شريكا رسميا في الملتقى منذ ثلاثة أعوام، مما يعكس التزامها بتطوير قطاع التمور وتعزيز الابتكار الزراعي.

التمور… تحديات الطبيعة وضغوط المنافسة

معاناة مع الجفاف والحرائق وتوسع زراعة النخيل في العديد من الدول

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"السماوي" للسطو على مجوهرات

الحبس لدركي هتك عرض قاصر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات