قرار شجاع للغرفة الجنحية باستئنافية البيضاء

أبطلت إجراء لقاضي التحقيق ورفعت حالة اعتقال وأعادت الملف لمواصلة التحقيق‬ بقلم: عبد المجيد خشيع بالقدر الذي أسعد دفاع أحد المتهمين في ملف المقال الحالي القرار الصادر عن الغرفة الجنحية باستئنافية البيضاء خلال ‬شتنبر ‫2024،‬ بالقدر الذي أسعدني أيضا، لأنه أصبحنا في الوقت الحالي لا نطمئن للإجراءات أمام المحاكم، إلا بعد صدور قرار بشأنها يعطي الحق كأولوية لتطبيق القانون العادل بعد سلوك مساطر الطعن‫.‬ وبالمناسبة، فقد سألني أحد الزملاء المتمرنين في إحدى ندوات التمرين عن سني المهني، وإن كان سؤالا لم أفهم قصده، فأجبته 43 سنة من الممارسة، ثم قال لي‫ «‬ألم تيأس من التقدم بالدفوع الشكلية رغما عن عدم الاستجابة إليها إلا نادرا‫»، فأجبته هذه مسؤوليتي، وسأبقى أثيرها إلى آخر رمق في حياتي، لاعتقادي الصميم بأنها جزء لا يتجزأ من إصدار أحكام وقرارات طبقا للقانون وعادلة‫.‬ لنعد إلى القرار المشار إليه أعلاه‫.‬ واعتبارا أن الملف لازال أمام قاضي التحقيق بعد إرجاعه إليه بقرار من الغرفة الجنحية، فإنه يظل وإجراءاته سرية إلى غاية البت فيه‫.‬ لكن مع ذلك سأتناول فقط الحيثيات، دون ذكر الأسماء أو رقم الملف إلى غاية الرجوع إليه، بعد أن يتم رفع طابع السرية عنه إما بالإحالة أو عدم المتابعة‫.‬ السؤال، هل يمكن لقاضي التحقيق العدول عن الأمر بإجراء خبرة حسابية للتأكد من ثبوت الفعل الجرمي، وإصدار أمر بانتهاء البحث ‫(‬التحقيق‫)‬ دون تعليل؟‬ وهل يحق لقاضي التحقيق أن ينهي التحقيق ويحيل المتهم على المحاكمة في حالة اعتقال، رغما عن انتهاء مدة الاعتقال الاحتياطي‫؟‬ إن الإجابة عن هذه التساؤلات تجد لها حلا في حيثيات القرار الصادر عن الغرفة الجنحية بالبيضاء كالتالي‫:‬ ‫« ‬حيث أن المشرع المغربي نظم حالات بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي ضمن مقتضيات المادتين ‫210 و212 ق. م. ج، وجعل من خلالها مجال البطلان تتقاسمه حالتان، تتجلى الأولى في البطلان القضائي أو البطلان بنص صريح، وتتجلى الحالة الثانية في البطلان الجوازي والقضائي بسبب خرق حقوق الدفاع، أو ما يعرف بخرق الإجراءات الجوهرية، باعتبار ذلك من المبادئ القانونية العامة، أو من الحقوق الطبيعية التي تعطي للمتهم مجموعة من الضمانات التي يتعين أن يتمتع بها خلال مرحلة التحقيق الاعدادي.‬ وحيث إنه ولئن كانت حالات البطلان القانوني محددة حصرا بنص القانون، فإن حالات البطلان الناتج عن خرق الاجراءات الجوهرية غير حصرية تتمتع في إطارها الغرفة الجنحية بسلطة أوسع، وحرية أكبر في تقدير ما إذا كان الإجراء يعد من الإجراءات الجوهرية التي تمس بحقوق الدفاع التي تلحق ضررا بالمتهم، حيث ترتب جزاء البطلان، أو أن الأمر يتعلق بإجراء غير جوهري ليس من شأنه المساس بحقوق الدفاع، فلا يكون ذلك مشمولا بالبطلان، حيث نصت مقتضيات المادة 212 ق. م. ج على ما يلي::‬ ـ يترتب كذلك البطلان عن خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف.‬ وحيث أن الثابت من خلال وثائق الملف، أن قاضي التحقيق أصدر أمره بإجراء خبرة حسابية بتاريخ …/…/ 2024، أي أن قاضي التحقيق كان في حاجة للخبرة المذكورة في إطار جمعه للأدلة لتبرير قراره النهائي. وحيث أن قاضي التحقيق بالرغم من ذلك قد أعلن عن انتهاء البحث بتاريخ …/…/2024 دون انتظار إنجاز الخبرة التي أمر بها، أو العدول عنها بقرار معلل، وهو ما يشكل مسا بحق من حقوق الدفاع، ترتب عنه ضرر للمتهم، ويتجلى ذلك من خلال ما يأتي:‬ إن اجراء انتهاء البحث قد تم اتخاذه دون العدول عن الخبرة بقرار معلل، أو انتظار نتيجتها وتمكين المتهم تبعا لذلك من حقوقه الواردة في المادة 208 ق. م. ج، والتي تتجلى في حقه في الاطلاع على استنتاجات الخبير، وإبداء ملاحظاته بشأنه وطلب خبرة تكميلية أو خبرة مضادة، وإمكانية ممارسة للطعن بالاستئناف في قرار قاضي التحقيق برفض الطلبات الممنوحة له في إطار المادة 208 المذكورة أعلاه، سيما وأن المتهم، ولتبرير ما لحقه من ضرر من جراء خرق حقوق الدفاع، فقد استند الى تقرير الخبير السيد... الذي خلص الى عدم وجود اختلاسات مقترفة من طرفه..‬ وحيث أن البين أن إجراء انتهاء البحث المتخذ من طرف قاضي التحقيق وفق الشكل أعلاه، يتضمن خرقا لقاعدة جوهرية تتعلق بحق الدفاع ترتب عنه ضرر للمتهم، وبالتالي يتعين إبطال الإجراء المذكور وامتداد البطلان الى الأمر بالمتابعة وإحالة المتهم في حالة اعتقال على المحكمة، استنادا الى مقتضيات الفقرة الاخيرة من المادة 211 ق. م. ج، المستمد أساسا من القاعدة الفقهية القائلة (ما بني على باطل فهو باطل).‬ وحيث ارتأت الغرفة في ضوء ما سبق بيانه، الأمر بإرجاع الملف إلى قاضي التحقيق لمواصلة التحقيق وفقا للقواعد المسطرية والجوهرية المنظمة لمرحلة التحقيق الإعدادي، مع رفع حالة الاعتقال عن المتهم لمرور فترة الاعتقال الاحتياطي طبقا لمقتضيات المادة 176 ق. م. ج. هذا القرار ارتكز على معطيات قانونية في المسطرة الجنائية، وأضاف إليها الاجتهاد الشخصي والشجاعة في إصداره. ما أحوجنا إلى عينة من هذا القضاء الذي لا يخاف في الله لومة لائم.‬ ولنا عودة لدراسة الملف بتفصيل بعد رفع طابع السرية عنه. ‬ *محام بهيأة البيضاء

قرار شجاع للغرفة الجنحية باستئنافية البيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قالوا

لقطات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات