مرة تلو أخرى، يصاب المجتمع المغربي بذعر وخوف ورهبة، ليس بسبب الجرائم التي ترتكب من قبل الأغيار، بل تلك التي استوطنت العائلة، واتجهت نحو فلذات أكبادها، ممن يفترض فيهم أنهم حماة الأسرة. فبين الفينة والأخرى، تظهر حالات لقضايا معينة تنذر بكارثة حقيقية داخل المجتمع. كارثة لا تنحصر في المحيط المصاحب للجريمة، بل تتعداه إلى ما هو أكبر، إلى قيم المجتمع وعلاقة أفراده، تلك العلاقة التي أصبحت تطبعها المصالح، وغلبت فيها الأنا ولم يعد الإنسان يأمن حتى من أقرب الناس إليه. جرائم، وإن تم اعتقال مرتكبيها، إلا أنها تظل راسخة، بل تساهم في تكوين شخصية الضحية. فكيف لمن انتهكت كرامته وشرفه واستبيح من قبل القريب، قبل الغريب، أن يكون عضوا سليما داخل المجتمع؟ القضية التي تناقش أمام غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية الرباط، والتي تخص طفلة في ربيعها العاشر، استبيح جسدها من قبل والدتها وتاجرت فيه بأفلام خليعة، مقابل الحصول على مبالغ مالية، في أمقت صورة للاتجار بالبشر، طفلة حرمت من طفولتها وزج بها في براثن الفساد والدعارة من قبل والدتها، ومهما كانت الأسباب التي قد تتذرع بها من يفترض أن الجنة تحت قدميها، فلا يمكن قبولها أو حتى مناقشتها، لأن الجرم أكبر من أن يوصف. آباء وأمهات تخلوا عن رسالتهم، وساهموا في إنتاج جيل من شباب الغد يحمل داخله ندوبا من الصعب علاجها، فبين أب استباح جسد ابنه أو ابنته وأم تاجرت بطفلها أو طفلتها، تكمن استفهامات وأسئلة محورية في شأن مستقبل الأسرة داخل المجتمع، وهل هذا الكيان الذي يشكل أحد الأعمدة الرئيسية في مكونات المجتمع بخير؟ وهل علاج مثل هذه الظواهر يقتصر فقط على الزجر والعقوبات الرادعة؟ وماذا عن الحالات غير المعلن عنها والتي تبقى ضمن الطابو؟ هي أسئلة تنتظر الإجابة من المجتمع بكل مكوناته، للوقوف على سبب الداء حتى لا يتسلل ويصبح فيروسا تصعب السيطرة عليه، لأن الأمر يتعلق بمستقبل مجتمع والضحايا فيه هم رجال ونساء الغد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تطلب من فاقد الشيء أن يمنحك ما فقده من حنان وحماية وأمان، وربما قد يكون منتجا للجرم نفسه، الذي تعرض له في الصغر. تزايد وتيرة الجرائم التي يرتكبها الآباء تجاه أبنائهم يزداد معها الشعور باللاأمن، وهي مسألة خطيرة على اعتبار أن الأسرة هي العمود الفقري للمجتمع وقوته، وإذا مست تلك القوة انهار المجتمع، فالأسرة هي الخلية الأولى المكونة للمجتمع، وإذا أصيبت بخلل فإن ذلك يعيقها عن أداء وظائفها الاجتماعية والتربوية الأساسية في أحسن الأحوال وأفضل الظروف، ويساعد على إعادة إنتاج أنماط السلوك والعلاقات غير السوية بين أفراد الأسرة الواحدة، ما يعني أن الظاهرة تؤكد أن خللا ما يعتري المجتمع، وأنه يجب البحث عن مسبباته حتى لا يتفاقم. كريمة مصلي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma