“تجفيف الموارد” لتطويع هيآت حقوقية

في 15 يوليوز 2014، حضر محمد حصاد، وزير الداخلية، إلى جلسة أسئلة شفهية بالبرلمان، لتقديم توضيحات حول "جهود المصالح الأمنية في التصدي للتهديدات الإرهابية التي يتعرض لها المغرب"، فرأى في المناسبة فرصة مثلى لفتح مواجهة غير متوقعة مع الطيف الحقوقي حول "التمويل الأجنبي". وبالنسبة إلى حصاد، "باطرون" أم الوزارات، توجد بالمغرب "كيانات تشتغل تحت يافطة حقوق الإنسان، ولا تتوانى عن اتهام أفراد المصالح الأمنية بارتكاب التعذيب ضد المواطنين... هي التي تتوصل بأموال خارجية وتحظى بدعم مالي من العديد من الجهات الخارجية".تصريح وزير الداخلية، كان رجة تلتها ارتدادات، لم تنته إلى حد الآن، ولم تتقبله حتى منظمات حقوق الإنسان "المعتدلة"، سيما أن التهمة ثقيلة جدا، وأطلقها محمد حصاد بشكل "معمم"، هو الذي يوجد على رأس وزارة فيها أقسام شغلها الشاغل استجماع أدنى المعلومات من أقصى نقطة في البلاد، فكان أن فسر ائتلاف جمعوي، في بيان عقب ذلك، كلام وزير الداخلية بأنه "ليس مجرد خطأ معزول أو زلة لسان".وحسب هذا الائتلاف، الذي اجتمع في مقر جمعية بدائل المغرب، بعد مضي أقل من أسبوع عن مثول حصاد أمام البرلمان، كلامه "يندرج في سياق مخطط سلطوي يستهدف الحقوق والحريات الأساسية بالمغرب تحت ذريعة ومبررات مواجهة التهديدات الإرهابية الخارجية"، وبشكل أوضح: "هو فعل مقصود يستهدف التضليل المتعمد للرأي العام"، و"يعد ردة حقيقية"، من خلال "الربط بين واجبات الدولة في حماية الاستقرار ومواجهة التهديدات الإرهابية، وبين التراجع عن الحقوق والحريات واحترام القانون".ولما تدخلت لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، التي مثل أمامها إدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة، بصفته الجهة الحكومية المكلفة بموجب القانون لتلقي التصريحات من الجمعيات حول الأموال التي تلقتها وأوجه صرفها، تبين أن عمل من يراقب هو بحد ذاته مشوب بنوع من القصور، كما لم تظهر قرائن دقيقة عن "العمالة" للخارج ومن يقوم بها، فتراجع حصاد، وحل محله وزراء يتحدثون "عن أموال تؤخذ مباشرة من السفارات ومن أجانب، وليس عبر الشراكات"، دون إثبات الأمر مرة أخرى.وفي النهاية، خفتت حدة الجدل الظاهر على السطح، وتواصلت المواجهة الصامتة، حينما اختارت الداخلية طريق التضييق على تنظيم الأنشطة ومنعها، مع التلويح بسحب صفة المنفعة العامة، التي بفضلها يمكن لجمعيات، أن تمتلك عقارات ومستخدمين يشرفون على مشاريع وأوراش في مجال تخصصها، فظهر تفسير جديد لـ"ردة" الداخلية في علاقتها بالمنظمات الحقوقية، سمي بـ"حرب تجفيف المنابع".والإعلان عن اختيار هذا الأسلوب، جاء على لسان الأمين العام للحكومة، في مجلس النواب، خلال نونبر الماضي، عندما كشف أن الحكومة أعدت "حزمة إجراءات إدارية في إطار سعيها إلى توسيع رقابتها على التمويلات الخارجية التي تستفيد منها الجمعيات". فما السبب وراء ذلك؟وقال منير بنصالح، المنسق الوطني لحركة أنفاس، أدلى لـ"الصباح" إن "المجتمع المدني يعد آخر قلاع الممانعة بعد تطويع الأحزاب والسلطة الرابعة"، واختيار التمويل مدخلا للتضييق، وراءه تمكن الجمعيات من خلال "تنويع مصادر التمويل، من تأمين استقلاليتها، ما سمح لخطابها أن يكون مزعجا للدولة، على عكس خطاب: "العام زين"، الذي تتبناه الجمعيات التي ارتكنت إلى أموال الدعم العمومي مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".الفكرة ذاتها، عبر عنها ناشط حقوقي تحدث أيضا، في تصريح لـ"الصباح"، بصيغة أخرى، حينما قال إن "أغلب الشراكات والمشاريع الممولة من قبل المانحين الدوليين، تهم برامج، كلها تتعلق بالديمقراطية وبالتربية على حقوق الإنسان ونشر ثقافتها، كما تركز أساسا على جيل الحقوق الزرقاء، أي تلك التي تهتم بشكل أساسي بحق الإنسان في التطور وتحمل نزعة فردانية قوية، مثل حق الهوية الجنسية، في وقت تولي فيه برامج الدعم العمومي المرصود من قبل الدولة، اهتمامها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية".هذا الرأي، يجد صدقيته، في مباركة إسلاميي الحكومة، لحرب الداخلية على الجمعيات، التي تترافع على جيل من حقوق الإنسان، يعتبره المحافظون غير متوافق مع خصوصية المجتمع، إذ يتحدث حقوقيون، ومنهم منير بنصالح، عن وجود "تحالف بين يمينيي وزارة الداخلية ويمين الإسلاميين من أجل ضرب المجتمعه المدني المستقل".امحمد خيي

“تجفيف الموارد” لتطويع هيآت حقوقية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مصرع ثلاثة احتراقا واتهامات للدرك

النشناش : التوتر مع الدولة سببه سوء الفهم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات