يأتي المتقاعدون، حسب التقرير الأخير حول الاستقرار المالي، في الرتبة الثالثة ضمن المستفيدين من القروض، بعد الموظفين والأجراء، فمن ضمن كل خمسة مقترضين يوجد متقاعد، يؤدي أقساطه الشهرية من معاشه الهزيل أصلا. فبالرجوع إلى معطيات وزارة الاقتصاد والمالية والمديرية العامة للضرائب نجد أن 86 في المائة من أصحاب المعاشات غير خاضعين للضريبة على الدخل، ما يعني أن معاشات نسبة كبيرة من المتقاعدين تظل دون سقف الإعفاءات المحدد في 30 ألف درهم سنويا، أي 2500 درهم في الشهر. لذا ليس غريبا أن نجد عددا كبيرا من هذه الفئة يواصلون العمل حتى بعد إحالتهم على التقاعد، لأن معاشاتهم لن تكفيهم، بكل تأكيد، لتغطية احتياجاتهم، خاصة أن الأقساط الشهرية يمكن أن تلتهم 70 في المائة من مداخيل أغلبهم. وأكد التقرير حول الاستقرار المالي أن ربع المستفيدين من القروض يخصصون أزيد من 70 في المائة من دخولهم لأداء الأقساط الشهرية، علما أن المعايير المعمول بها لدى البنوك تحدد المعدل الأقصى لمديونية الشخص في 45 في المائة من الدخل، أي أن البنوك ترفض منح القرض إذا كانت الأقساط الشهرية تتجاوز هذا السقف، لتفادي حالات العسر في الأداء. وهذا لا يعني أن البنوك خرقت هذه المعايير الاحترازية في ما يتعلق بإقراض الأشخاص الذين تتجاوز الاقتطاعات الشهرية ثلثي دخلهم، المشار إليهم في التقرير، بل إنهم كانوا يستجيبون للسقف الأعلى للمديونية، عند منحهم التمويلات، لكن مداخيلهم تغيرت، إما لأنهم غيروا مسارهم المهني أو أحيلوا على التقاعد، وهو الافتراض الأكثر احتمالا، بالنظر إلى أن المعاشات تكون هزيلة، مقارنة بالدخول التي كان المتقاعدون يحصلون عليها خلال فترة عملهم، خاصة في ما يتعلق بأجراء القطاع الخاص الذين لا يتوفرون على معاش تكميلي، إذ أن أعلى معاش يتقاضاه متقاعدو القطاع الخاص من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يتجاوز 3900 درهم، بعد اقتطاع واجبات التأمين الإجباري عن المرض، ما يمثل في بعض الأحيان ثلث الأجر، قبل الإحالة على التقاعد. ويمكن أن ترتفع نسبة الأقساط الشهرية، في هذه الحالة، إلى أزيد من 70 في المائة من المعاش، ما يجعل هذه الفئات تعاني في صمت، في وقت يفترض أن تكون في وضعية مريحة تضمن الحياة الكريمة، بعد عقود من العمل والكد والجهد. وهكذا تحال القروض، بدورها، مع الموظفين والأجراء على التقاعد، وتتحول إلى قروض متقاعدة، لتتعايش مع هؤلاء المتقاعدين وتواصل امتصاص معاشاتهم، وترغمهم على مواصلة الاشتغال، بعد أن اشتعل الرأس شيبا، لضمان توفير ما يسدون به رمقهم. لقد كتب عليهم أن يتحملوا أقساط القروض من المهد إلى اللحد. عبد الواحد كنفاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma