جماعات فقيرة تدعم من ميزانياتها مهرجانات سنوية ولا تكترث بحاجيات السكان في وقت كانت فيه المواسم والمهرجانات طقسا سنويا تزدهر فيه التجارة وتلتقي فيه القبائل لعرض منتوجاتها وعقد الأحلاف وغيرها من النقاط الإيجابية، تحولت مواسم ومهرجانات القرن 21 إلى مناسبات لإهدار المال العام. وإذا كانت بعض الجماعات الكبيرة والغنية، والتي تكون في مراكز الأقاليم، ولديها موارد كافية من أجل دعم الثقافة والتقاليد والتراث، فإن هذا الأمر محمود، بل واجب، لكن الإشكال أصبح مطروحا على الجماعات القروية الصغيرة، التي أصيبت بعدوى المهرجانات في السنوات الأخيرة. وأصبحت بعض الأقاليم تنظم عشرات المهرجانات، والتي لا أصل تاريخيا لها، ففي وقت كانت المواسم تقام في الأماكن التي لها رمزية، من قبيل مدافن الأولياء الصالحين، ويسمى الموسم بأسمائهم، صارت المهرجانات تنبت في كل مكان دون أي داع. وفي الوقت الذي تحتاج فيه الجماعات القروية الفقيرة إلى الكثير من التنمية، سواء تعلق الأمر بالطرق وفك العزلة عن القرى والدواوير، أو مشاكل الماء والكهرباء، أو النقل المدرسي أو غيرها، تجد مجموعة منها غير مهتمة بهذه الملفات، لكنها حريصة على المهرجانات. وهناك مجموعة من الأسباب التي تجعل رؤساء الجماعات يهتمون بالمهرجانات، سواء تعلق الأمر بالصفقات التي تمرر لمعارفهم، أثناء إقامة المهرجان، أو الضغط الذي يتعرضون له من قبل فئة الأعيان، الذين يملكون "سربات الخيل"، وتكون لديهم أحيانا بعض الخلافات مع سكان جماعات أخرى، ويريدون مهرجانا خاصا بهم. واطلعت "الصباح" على ميزانيات بعض الجماعات، والتي لا تتوفر على أي مشروع تنموي باستثناء تنظيم المهرجان، إذ أن كل المخصصات تهم تعويضات الموظفين والزيارات والتنقلات ومنحة المهرجان. ووصل الأمر بسكان بعض الجماعات إلى الانتفاض ضد رؤساء الجماعات، وتنظيم وقفات احتجاجية من أجل إلغاء المهرجان، وتخصيص ميزانيته لمشاريع تعود بالنفع على السكان، عوض أن تستفيد من تلك المنحة عائلات بعينها. ويقول البعض إن 60 ألف درهم أو 50 ألفا التي تخصصها الجماعات القروية لدعم المهرجان، لا يمكنها أن تخصص لمشاريع تنموية داخل الجماعات، لكن على العكس هناك بعض الثغرات التي يمكن ملؤها، من قبيل تزويد الآبار بالمضخات، أو اقتناء الطاقة الشمسية لاستخراج المياه، أو اكتراء جرافات لتعبيد طرق مؤدية إلى بعض القرى. ويمكن أيضا تخصيص مقدرات المهرجان، من أجل اقتناء عربة جديدة للنقل المدرسي، أو إصلاح وتجهيز العربات القديمة، التي تستخدم في نقل التلاميذ، وغيرها من المشاريع الصغيرة، التي يكون لها وقع على حياة السكان. ويستغل رؤساء الجماعات تحالفهم مع الأعيان، الذين لديهم تأثير على السكان في الانتخابات، من أجل العودة مرة أخرى إلى كرسي الرئاسة، إذ في بعض الأحيان يسقط الأعيان الرئيس نتيجة عدم مجاراتهم في رغباتهم، التي تختلف كليا عن انتظارات السكان الفقراء، ما أصبح يشكل حرجا لبعض العمال، الذين يوافقون على برامج الجماعات على مضض، تفاديا لإثارة المشاكل، خاصة أن هاجس الاستقرار، دائما ما يكون حاضرا لدى عمال الأقاليم، لكن هذا النوع من التدبير أصبح يخرج السكان إلى الاحتجاج، ويغضب العمال. عصام الناصيري