كثيرا ما يتم الحديث عن ضرورة ربط" المسؤولية بالمحاسبة"، لكن الواقع المعيش يفيد غير ذلك بشأن ما يتعرض له المال العام من نهب مستمر لم تستطع كل المحاكمات التي طالت بعض ناهبيه أن تحقق الردع ليستمر مسلسل النهب.مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، في حديثه عن الجرائم المالية أكد أنها تستأثر بالاهتمام الدولي والمحلي، بالنظر إلى انعكاسها على الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولم يخف خطورة ظاهرة الفساد عموما والفساد الإداري بشكل خاص الذي تجسده الجرائم المالية بما تعكسه من مظاهر استغلال السلطات المخولة بشكل غير مشروع في تحقيق مصالح ذاتية، وما تفرزه تجلياته المالية من نهب للمال العام والاغتناء غير المشروع وحرمان خزينة الدولة من الموارد المستحقة والاستيلاء على الأموال العامة وإهدارها واستنزافها في أغراض شخصية، أو تهريبها إلى الخارج، عوض توجيهها نحو مشاريع تنموية اجتماعية حيوية في مجالات الصحة والتعليم والسكن والبنيات الأساسية. ويؤكد رئيس محكمة النقض، خلال تقديمه لكتاب الوجيز في الجرائم المالية لكاتبه أبو مسلم الحطاب، أن هذا الخطر يستوجب مقاومته والتصدي له، والحد من تغلغله في إطار إستراتيجية شاملة ومتكاملة، تتضمن اجتثاثه من جذوره نبذا لثقافة رفض المساءلة والإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة.حديث الرئيس الأول يسير في الاتجاه الذي يقول بربط المسؤولية بالمحاسبة. هذا الربط الذي يجب أن يكون تحت مراقبة مستمرة وتفعيل قانون التصريح بالممتلكات، ومراقبته منذ تولي ذلك الشخص المسؤولية، كما هو الحال في جميع الدول التي تحترم القانون، فلا يجب انتظار وقوع الكارثة لتتم المحاسبة، أو كما يقال "وقوع الفاس في الراس"، لأنه في تلك الحالة لا ينفع أي علاج. فالمغرب اليوم أمام امتحان حقيقي للمصالحة مع الذات التي تتطلب تنقية المجتمع من كل الشوائب العالقة به، والتي يشكل وجودها كيفما كان نوعها ضررا كبيرا، ويجب على الكل أن يعي جيدا أن المجتمع المغربي لم يعد يقبل بوجود طفيليات تعيش على حسابه، وأن القانون هو أسمى تعبير للأمة، وعلى الكل احترامه والالتزام بمضامينه، واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب. إنه حق المجتمع على أفراده الذين يجب أن يحافظوا عليه، لا أن يتنازلوا عنه للغير.ك . م