تحول في وسائل اكتساب المعرفة يترك الانطباع بإفلاس الجيل الصاعد ثقافيا أعاد حادث التدافع على حفل توقيع كتب الكاتب السعودي أسامة المسلم بمعرض الكتاب بالرباط هذه السنة، إلى الواجهة سؤالا كان إلى وقت قريب شبه محسوم، ويتعلق الأمر بالانطباع السلبي السائد حول علاقة الشباب بالثقافة والقراءة، إذ راجع كثيرون موقفهم نتيجة هذا الحادث. وترك التحول الحاصل في سبل استهلاك الثقافة والمعرفة، انطباعا لدى الأجيال السابقة، مفاده أن الشباب اليوم لا علاقة لهم بالثقافة، وأنهم لا يطالعون الكتب، إلى درجة أن جزءا كبير يلجأ إلى عبارة "جيل الضباع"، للتعبير عن ابتعاد شباب اليوم عن الثقافة، وفقدان هامش كبير من أخلاق ولباقة الأجيال السابقة. وتقاطرت التدوينات والمقالات ومقاطع الفديو في الفترة الأخيرة عقب حادث التدافع عن حفل توقيعات الكاتب السعودي، جلها كان عبارة عن تصحيح موقف أو قراءة جديدة وطرح أسئلة، حول مكامن الخلل، هل الشباب من ابتعد عن الكتاب، أم أن الكتاب من ابتعدوا عن الشباب؟. وساهمت بعض الدراسات الدولية والوطنية حول عدد دقائق وساعات القراءة للمغاربة في تعميق هذا الاعتقاد السلبي، فرغم أن هذه الدراسات لا تحمل على محل الجد، بسبب صعوبة تحديد الزمن الذي يقضيه المغربي أمام الكتاب، إلا أن الكتاب الورقي لم يعد الوسيلة الوحيدة لاستهلاك الثقافة، بسبب التطور التكنولوجي، الذي ظهرت معه الكتب الرقمية والصوتية، ناهيك عن تطور كبير في السينما والتلفزيون، ونقل قصص الكتب والروايات إلى قوالب مصورة، تعتبر أكثر إغراء للأجيال الصاعدة. ويمكن تصنيف الانطباع السلبي لجيل الآباء حول علاقة الشباب بالثقافة، في خانة صراع الأجيال، وحنين الإنسان للماضي، واعتبار ما فات فترة ذهبية، رغم أن الوقائع والأرقام تقول عكس ذلك، إذ أن هذه الفترة التي نعيشها اليوم هي أكثر العقود التي تشهد تعميم الدراسة، قرابة 100 في المائة من الأطفال دخلوا المدرسة، عكس الماضي، الذي كان فيه تعلم القراءة والكتابة مقتصرا على بعض الأوساط. ورغم أن الحادث الذي أعاد هذا النقاش إلى الواجهة، له علاقة بدرجة أولى بالترويج والتسويق عبر الأنترنت لأعمال هذا الكاتب، بسبب إستراتيجيات جديدة لدور النشر، التي تجند مجموعة من الشباب لتنزيل عشرات الفيديوهات حول هذه الأعمال، وجعلها متداولة في صفوف الشباب، إلا أن حبل الثقافة ما يزال متصلا بالشباب، ويستهلكون المعرفة بطرق مختلفة، ولا يقتصرون على الكتاب الورقي فقط. عصام الناصيري