عليوة… ترويض الخشبة لإضحاك الجمهور

شاب عصامي اختار مجابهة ظروف صعبة لتحقيق حلمه في تجسيد الواقع وسعيه ليكون مثالا لتحدي الصعاب «ساهل تبكي الناس وصعيب تضحكهم"...مقولة مغربية يتداولها كبار الفنانين عند حديثهم عن وضعية فن الكوميديا في المغرب ومدى تطوره، وهي المقولة التي جعلت عددا من الشباب المغربي يستلهمونها في خوض تجارب وتحديات لإبراز الذات. مصطفى عليوة ابن حي الألفة بالبيضاء، واحد من الطاقات الشابة في فن الكوميديا، التي اكتشفها الجمهور المغربي على نطاق واسع بعد الظهور على شاشة التلفزيون عبر برنامج "ستاند آب"، إلا أن أهل الميدان من المواهب الواعدة وأساتذة فن المسرح يعرفونه وعلى دراية أن مشاركته في البرنامج لم تكن ضربة حظ، بل كانت نتيجة كفاح طويل لمجابهة الظروف المناوئة له في شق طريق النجاح والنجومية. بداية الحكاية ظهرت موهبة مصطفى في الكوميديا والتمثيل خلال مرحلة الطفولة والصبا، بحرصه على أخذ الكلمة والحديث أمام جموع الناس وسرد النكت لإضحاك أصدقائه وأفراد العائلة ومعارفه وتقليد عدد من الشخصيات وحتى منهم المعارف من المحيطين به. ومع مرور الأيام والسنين وجد مصطفى نفسه شخصا معروفا بحس الفكاهة والمرح، قبل أن يلتجئ في سن 11، إلى دار الشباب لصقل موهبته بالانخراط في جمعيات وفرق تشتغل على مسرح الطفل، حيث تلقى دروس التمثيل وكيفية الارتجال . نقطة التحول في مرحلته الدراسية في السنة الأولى باكلوريا قرر عليوة المشاركة في كاستينغ برنامج "ستاند آب" وكانت أول تجربة يخوضها الشاب بعد مشاركاته في دار الشباب، حينها تلقى نصيحة الفنان محمد الخياري الذي أخبره أنه لن يتم اختياره ضمن المؤهلين للمشاركة في مسابقات البرنامج المعروض على القناة الأولى، مضيفا "ولكن ينبغي معرفة أنك مشروع فنان وتتوفر على حضور جيد، سير خدم على راسك وخاصك تنضج. دير المسرح ونتمنى نشوفك فالمستقبل فنان". وكشف مصطفى أنه بعد مغادرته "الكاستينغ" طرح على نفسه مجموعة من الأسئلة، حول ما إن كانت اختياراته لولوج الفن المسرحي والكوميدي صائبة أم أنها خطوة عشوائية لن تكون لها أي نتائج لتحقيق حلمه، قبل أن يجيب عن تساؤلاته بالقول "تنقصني التجربة والنضج ودراسة الفن لولوج الاحتراف. المسرح لا يدرس كليا بدار الشباب وإنما يجب أن تصقل الموهبة في معهد متخصص". وشدد مصطفى على أن ما يحبط الشخص في بداية مساره الفني، ما يتعلق بالجانب المالي إذ يمكن للشخص خوض المشاركة في العديد من الأعمال مقابل أجر زهيد وفي حالات أخرى يضطر للعمل دون مقابل حتى يفجر طاقته ويبرز ذاته، وهو ما يعني أن المواهب في حال ما لم تكن مسلحة بالصبر وقوة العزيمة فإنها ستتوقف في بداية الطريق، وهو ما فطن إليه الشاب عليوة الذي قرر المزاوجة بين العمل والفن لتجاوز المسائل المالية التي جعلت عددا من زملائه بعد زواجهم يتخلون عن ممارسة الفن المسرحي. واعتبر مصطفى قرار التراجع غير صائب "لأن حلم الاحتراف ليس صعب المنال مهما كانت الظروف ومهما بلغ الإنسان من العمر عليه ألا يقول فات القطار لأن التعلم لا حدود له وتحقيق الطموح ممكن". مواقف كادت تعصف بالحلم يحكي الفنان الصاعد أنه قرر وولوج معهد متخصص في المسرح لمتابعة دراسته بعد حصوله على شهادة الباكلوريا، من أجل صقل موهبته أكثر وولوج عالم الاحتراف من بابه الواسع، لكن حلمه اصطدم برفض أسرته التي رأت أنه ينبغي إكمال دراسته بالتوفر على دبلوم في مجال يؤهله لولوج سوق الشغل وبعدها يخوض تجربة دراسة التمثيل، وهو ما تحقق له بعد أن نجح في تتويج دراسته بالحصول على دبلوم تسيير المقاولات. وسارع مصطفى إلى ولوج المعهد المتخصص في الفن المسرحي، إذ على مدى سبع سنوات شارك في عدة عروض ، من بينها مسرحية "الغالية" وخاض تجربة "ماستر كلاس مراكش للضحك" و"ماستر كلاس كازا للضحك"، وكان عضوا في حقيبة الضحك بمهرجان البيضاء الدولي للضحك وتمكن من نيل الجائزة الثانية، كما شارك في المهرجان الوطني للفكاهيين الشباب الذي توج فيه بالجائزة الأولى، وتمكن من الظفر بالجائزة الأولى لمهرجان بنكرير للضحك وتنشيط مجموعة من الحفلات والملتقيات، قبل أن يتوج بدبلوم المسرح. وكشف مصطفى أنه قبل العودة لاجتياز "كاستينغ" برنامج "ستاند آب" قرر عدم خوض أي تجربة مماثلة حتى لا يسمع الملاحظة التي تلقاها من الفنان الخياري، إلا بعد نضج تجربته حتى يكون أداؤه فوق الخشبة في المستوى المطلوب. ومن سوء حظ مصطفى أن الموسم الذي قرر المشاركة فيه هو نفسه الذي جاء بعد شهر ونصف على ازدياد ابنته الأولى وتكوينه الحديث لأسرة صغيرة تحتاج عناية كبيرة وجهودا مضاعفة لتدبير مسؤولية ليست سهلة "خصوصا أن زوجتي مازالت نفساء ومولودتي في أشهرها الأولى، والمعضلة الأكبر أنني حديث الالتحاق بوظيفة جديدة بعدما كنت عاطلا عن العمل ثمانية أشهر وأبحث عن فرصة للاستقرار المالي، إذ كنت حائرا كيف يمكنني تضييع وظيفتي وفي الوقت نفسه كيف لي أن أتخلى عن تحقيق حلمي". ولأن القرار كان صعبا خصوصا أن هناك أشخاصا حاولوا إحباط مصطفى بأنه يقامر بمستقبله، وأن ميدان الفن "مابقاش "كيوكل"، اختار الشاب استشارة أسرته، وأخبر زوجته بتفاصيل الموضوع وصعوبة الالتحاق بالبرنامج في ظل عدم القدرة على تركها وابنته الرضيعة، لكن زوجته أقنعتنه بضرورة استغلال فرصة العمر واقترحت عليه إقناع الشركة التي يعمل بها للسماح له بالتغيب لتصوير حلقات البرنامج، وهو ما تحقق له. نموذج للتحدي أكد مصطفى عليوة أن حلمه لن يقف عند حدود مشاركته في البرنامج الكوميدي، بل يرغب في تحقيق نجاحات ومشاريع مستقبلية، مشددا على أنه يتمنى أن يكون قدوة للشباب الذي يعاني أوضاعا اجتماعية، حتى يتأكد للشخص في أي مجال كان، أن المستحيل ليس مغربيا وأن الليل مهما طال لا بد أن يبزغ ضوء الفجر، الذي يعني أملا في حياة جديدة وناجحة. محمد بها

عليوة… ترويض الخشبة لإضحاك الجمهور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الهومي: فرضية "انبعاث" الأسد منعدمة

تراشق بملفات الفساد بين فرق البرلمان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات