بعد الإحجام عن نشر القرارات التأديبية الصادرة ضد قضاة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عاد المجلس من جديد إلى نشر البعض منها، بشكل يتيح الاطلاع على فحواها للقضاة في إطار تأطير سلوكهم والاستفادة من الأخطاء المهنية التي أوجبت المساءلة لتفاديها في عملهم اليومي. ولم ينشر المجلس، في شأن القرارات المتعلقة بالسنة الماضية، سوى قرار القاضي الذي عزل، أخيرا، والذي اعتبر أنه أخل بالواجبات المهنية وبواجب اللباقة والشرف والوقار والكرامة. واستند المجلس في تعليله لذلك القرار، على أن القضاة يتقيدون بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية في ممارسة الحق في حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي، مع الحرص على عدم الإساءة لسمعة القضاء والالتزام بدرجة عالية من الحذر عند التعبير عن آرائهم ومواقفهم، سواء أفصحوا عن صفتهم القضائية أم لا، وسواء تعلق الأمر بالشأن القضائي أو بحياتهم الخاصة أو بأي شيء آخر. وجاء في التعليل أيضا أنه "يعد تشهير القاضي بمؤسسة مسؤوله المباشر واتهامها بأمور شائنة ونشرها في تدوينات متاحة للعموم، خرقا للأخلاقيات القضائية الواجب على القاضي احترامها، بمناسبة ممارسته للحق الدستوري في حرية التعبير". كما اعتبر القرار أنه يعتبر مساسا بالسلطة الرئاسية وخطأ مهنيا خطيرا وأخلاقيا، انتهاج القاضي أسلوب الإهانة تجاه رئيسه في أجوبته عن الاستفسارات الموجهة إليه بعبارات خارجة عن الضوابط المهنية وقواعد التعامل الإداري بين المرؤوس ورئيسه، وتقييم سلوكه المهني والاستهزاء به واتهامه باتهامات خطيرة، كما أن الإهمال والتأخير المتكرر وغير المبرر في إنجاز المحاضر التي يكلف بها قاضي النيابة العامة خطأ جسيم. وبلغ عدد القرارات التأديبية التي نشرت منذ الولاية الأولى للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، 88 قرارا تأديبيا، تضمنت عقوبات مختلفة بشأن الإخلالات المنسوبة إلى القضاة بين العزل والإقصاء المؤقت عن العمل، والتوبيخ والإنذار والبراءة. وأعلن محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب، في وقت سابق، أنه تقرر نشر القرارات التأديبية التي يصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، من أجل المساهمة في تأطير سلوك القضاة والتزامهم بالأخلاقيات المهنية، وتنبيههم إلى الإخلالات المهنية، مؤكدا أن نشر قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة التأديبية سيتم عبر الإطار الرقمي المخصص للقضاة بموقع المجلس، وهو ما سيساهم في تنمية إحساسهم بالمسؤولية المهنية وتنبيههم إلى الالتزامات الأخلاقية، مما سينعكس إيجابا على تطبيقهم لمدونة الأخلاقيات، واحترامهم للالتزامات المهنية، وهي نقطة تدخل في إطار الإستراتيجية التي اعتمدها المجلس للولاية الحالية. ويستند المجلس في نشر تلك القرارات التأديبية على المادة 60 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي تتيح تلك الإمكانية، إذ تفيد أن المجلس ينشر النتائج النهائية لأشغال كل دورة وفق الكيفية المحددة في نظامه الداخلي، ولا تنشر أسماء القضاة المعنيين بالعقوبات من الدرجتين الأولى والثانية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. كريمة مصلي