المغرب والجزائر…حرب الحدود المتحركة

لم تكن الرصاصات التي أفرغها جندي جزائري في جسد مواطن مغربي أعزل، غير الحركة الأخيرة لجيش متوتر يعيش على أعصابه على الحدود، ويضع أصبعه على الزناد ومستعد للإطلاق في أي لحظة. من المؤسف أن يكون الضحية كل مرة مواطنين مغاربة عزلا يتحركون على نقاط التماس بين بلدين يجمعهما قدر الجغرافيا ويفرقهما لؤم التاريخ ومقالب السياسة وأحوال نظام جزائري يرقص، منذ أكثر من ثلاث سنوات، رقصة الموت الرهيبة التي تنتهي عادة بنثر بقايا دماء وأحقاد على المقربين منه.في تاريخ الصراع المغربي الجزائري الذي انطلق مع بدايات موجة الاستقلال السياسي لأقطار الاتحاد المغاربي، بسبب مؤامرات ترسيم الحدود بين البلدين، لم يحدث أن تجرأ جندي جزائري على إطلاق النار على مدنيين مغاربة، والعكس صحيح من الطرف المغربي، بسبب تشعب العلاقات الأسرية والعائلية بين سكان الحدود، وهي الأسر التي ظلت تكسر جميع الحواجز وتحمي الفوارق بين شعب واحد تقريبا يقطن دولتين ويحكمهما نظامان.اليوم، مرت الجزائر إلى السرعة القصوى، ولم تعد تكتفي بالقتل المعنوي الذي تمارسه كل يوم في حق القضايا والحقوق المشروعة للشعب المغربي ووحدته وسيادته على مجموع أراضية، بل انتقلت إلى القتل المادي وإطلاق الرصاص الحي في محاولة للاستفزاز وجر المنطقة إلى أثون حرب سيكون النظام الجزائري المستفيد الأول منها ويعتبرها بمثابة طوق نجاة لإخراجه من أزماته الداخلية التي لا تحصى. ومؤكد أن ما يجري اليوم بين البلدين والذي لم تنفع معه وساطات وخطابات ود ومجاملة ودعوات لإعادة تطبيع العلاقات بين الدولتين، يعكس حقيقة واحدة أن النظام الجزائري وحكامه لن ينسوا، على المدى المتوسط على الأقل، عددا من العقد التي تسبب لهم فيها المغرب منذ بداية الستينات، وهي العقد التي تتحول اليوم إلى أحقاد وضغائن تجري فوق رقعة حدود متحركة تخبئ في أعماقها كثيرا من الألغام التي قد تنفجر في وجه الجميع...فقليل من التعقل يا حكام بلد المليون شهيد.يوسف الساكت رفاق بوتفليقة يريدون حرب رمال ثالثة مازال شبح حرب الرمال حاضرا في قصر المرادية، مقر رئاسة الجمهورية بالجارة الشرقية، ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على أول مواجهة عسكرية مع المغرب لم يتجرع ورثة بنبلة بعد الهزيمة، التي كانت وما تزال وستبقى الخلفية غير المعلنة لكل التحرشات الجزائرية ضد المغرب.ولم يكن موقف النظام الجزائري المعادي للوحدة الترابية للمغرب إلا حلقة من مسلسل ردود الفعل الرامية إلى الانتقام لكبرياء جبهة تحرير تمكنت من هزم أكبر الجيوش في ذلك الوقت، إذ تعددت الجبهات المفتعلة من أجل مواجهة القوات المسلحة الملكية المغربية في نزال مباشر، تثبت فيه القيادة "الثورية" أنها لم تكن في حاجة لدعم جيرانها، الذين سبقوها إلى زمن الاستقلال والتحرر، فكانت الاستفزازات التي رد عليها المغرب بحرب الرمال بداية الستينات. وللبحث عن غطاء جديدة للتصادم مع الجيش المغربي اختارت الجزائز حرب الوكالة باسم بوليساريو أواسط السبعينات، خاصة في معركة أمغالا التي وقعت أواخر يناير 1976 ، إذ تصدت القوات المسلحة الملكية المغربية لثلاثة ألوية من الجيش الجزائري وعناصر من البوليساريو على ثلاث جبهات، هي أمغالا، المحبس والتفاريتي.وفي الوقت الذي أبرزت فيه حرب الرمال الدروس الواجب استخلاصها من عثرات النشأة، فإن حرب أمغالا حطمت أصنام الكبرياء المبالغ فيه لدى الجزائر، التي تجرأت على الدخول إلى الأراضي المغربية بعمق أكثر من 380 كيلومترا، قبل أن تضطر قواتها للانسحاب تاركة خلفها 500 أسير من أفراد الجيش الوطني الشعبي الجزائري. لكن يبدو أن الجزائر عاودها الحنين، بفعل امتلاء مخازن أسلحتها وتزايد فائض ميزانياتها من ريع النفط، إلى زمن الحرب، متناسية ما وقع على الحدود المغربية سنة 1976، ودرس عدم الزج بجيشها في معارك ميدانية جديدة مع المغرب، إذ اقتصر دورها في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية على الدعم اللوجستيكي لبوليساريو وإمدادها بالسلاح في حرب استنزاف لم تضع أوزارها إلا سنة 1991.لكن الجزائر ظلت مع ذلك تدفع في اتجاه الاحتقان علها تحظى بفرصة معركة رد الاعتبار، فعادت سنة 1994 إلى التصعيد بإغلاق حدودها مع المغرب ردا على اتخاذه إجراءات أمنية بعد اعتداءات إرهابية استهدفت منشآت سياحية في مراكش تورط فيها جزائريون وخلفت قتلى من السياح الأجانب، ذلك أن السلطات المغربية ومن باب الاحتياط، فرضت التأشيرة على المهاجرين الجزائريين القادمين من أوربا والراغبين في المرور عبر أراضيه إلى الجزائر، لكن الجارة الشرقية اعتبرت أن في القرار إهانة لها وتعسفا في حقها، فكان هو إغلاق الحدود البرية الذي يستمر حتى الوقت الراهن.وأمام المهادنة المغربية كثف حرس الحدود الجزائري في السنوات عشر الأخيرة من استفزازاته، بدءا بتسهيل مرور الأطنان من الحبوب المهلوسة ووصولا إلى إطلاق النار على المدنيين المغاربة بداعي الحرب على التهريب.ولم تغب فرضية بحث الجزائر عن الحرب من فكرة المسؤولين المغاربة في ردهم على واقعة إطلاق النار الأخيرة، التي وصفها وزير الداخلية، محمد حصاد، بأنها "ليست المرة الأولى التي يقع فيها حادث مماثل، ففي 17 من فبراير الماضي حدث إطلاق نار لم يستهدف السكان، في المناطق الحدودية بل استهدف مراكز حرس الحدود المغربية"، محذرا من انعكاسات مثل هذه الحوادث التي تكاثر عددها في العشر سنوات الأخيرة، قائلا "عندما نشرع في إطلاق النار على السكان وعلى حرس الحدود، يمكن أن يفضي بنا الأمر إلى أوضاع لا يمكننا السيطرة عليها".ياسين قٌطيب ساسة يدعون إلى التمييز بين الشعب والحكام "الجزائريون شعبا أو مجتمعا، أشقاء لنا، والمشكلة هي مع فئة حاكمة لم تتخلص بعد من بعض العقد التاريخية"، مقولة ترددت على ألسنة الكثيرين من سكان الجهة الشرقية، استقت "الصباح" آراءهم حول واقع العلاقات المغربية الجزائرية.ومع ذلك، ظهر أن بين سكان الجهة الشرقية ومنتخبيها، من ضاقوا ذرعا بالاستفزازات الجزائرية، فلم يعد مطلبهم هو فتح الحدود، إنما مواصلة تنمية الجهة، التي أضحت قطبا رئيسيا ضمن أكبر المدن المغربية.فإذا كان عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني، عن الجهة الشرقية، يرى أن واقعة اقتناص جنود جزائريين لمواطن مغربي على الحدود بالرصاص الحي "حدث مؤلم وأمر مرفوض وغير مقبول إطلاقا"، فإنه قال إن "الشعب الجزائري، بالطبع، لا علاقة له بالموضوع".وأوضح أفتاتي قائلا "نحن نعرف أن المتورط في هذه العمليات هي فئة متنفذة تضمر الكيد للمغرب دولة ومجتمعا، ونحن من جهتنا مغاربة كنا دائما نواجه هذه الاعتداءات بالحلم وسعة الصدر وبالتالي فلا يجب أن نقع في أي خلط".وأكد عمر حجيرة، النائب البرلماني وعمدة وجدة، من جهته، أن "التوتر الملاحظ على مستوى الحدود المغربية الجزائرية ناتج عن السياسة العدائية التي ينتهجها حكام الجزائر، الذين يكنون الحقد للمغرب وينشرونه بين الشعبين المغربي والجزائري".ودعا المتحدث الحكومة، إلى "الاهتمام بالمناطق الحدودية والعمل على تنميتها وتتبع مشاكل السكان الموجودين بها، لأن مطلب فتح الحدود لم يعد مثار اهتمامنا بقدر ما عدنا نطلب أن يتركنا الجزائريون وشأننا ويلتفتوا إلى المشاكلهم وصراعاتهم الخاصة".وبالنسبة إلى عمدة وجدة، فعلى الحكومة، "عرض ملف الانتهاكات الجزائرية أمام المنظمات الدولية وأمام منظمات حقوق الإنسان"، مؤكدا أن "معارك المواطنين المغاربة القاطنين بالحدود هي معارك مستمرة يوميا، ضد أشكال الاعتداء المختلفة والمس بحياتهم وكرامتهم وأموالهم".ونبه المتحدث أن هناك حربا ضد المغاربة من جانب الجزائر، وتتمثل في "التهريب الممنهج للحبوب المهلوسة وفي احتلال الأراضي المغربية، وفي مصادرة المواشي على الحدود، وفي تشجيع التدفق الكبير للهجرة السرية للمواطنين القادمين من جنوب الصحراء وغيرهم، حتى تحول المغرب إلى أكبر بلد استقبال في القارة الإفريقية".محمد المرابطي (وجدة)

المغرب والجزائر…حرب الحدود المتحركة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

صراع من زمن الحرب الباردة

مشروع قانون المالية...من الإعداد إلى التنفيذ

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات