مجهودات لإيواء المنكوبين بتارودانت الشمالية ومستشفى عسكري جديد وهزات خفيفة تثير الرعب تواصلت، أول أمس (الأربعاء)، عملية توزيع الخيام على الدواوير بجماعتي تافينكولت وتيزي نتاست بتارودانت الشمالية، بتنسيق وإشراف من مصالح وزارة الداخلية. وانتصبت في جنبات الدواوير المنكوبة خيام زرقاء، متراصة ببعضها، إذ بينما طلب من البعض الابتعاد عن التجمع السكني المهدم والاقتراب من الطريق المعبدة، قصد تسهيل وصول المساعدات، فضل سكان دواوير أخرى، نصب الخيام غير بعيد عن الدوار، رغم وعورة المسالك، واستمرار الهزات الخفيفة المرعبة التي تهدد بسقوط حجارة وصخور من الأعالي. وظلت الحاجة إلى مزيد من الخيام، سيما أن عددا من الرجال باتوا في العراء. كما يستقبل المستشفى العسكري الميداني، المشيد غير بعيد عن مقر جماعة تافينكولت، الحالات الوافدة عليه لمتابعة العلاج والرعاية، وكذا لمختلف التدخلات الطبية الجراحية، أما المساعدات، سيما الغذائية منها، فتراكمت بدرجة كبيرة. المصطفى صفر/ تصوير: عبد اللطيف مفيق (موفدا الصباح إلى تارودانت) في الطريق نحو تافنكولت عبر الطريق الوطنية رقم 7 انطلاقا من تارودانت، شاحنات وناقلات بضائع وسيارات خاصة، مملوءة عن آخرها بالمساعدات المختلفة، أغطية وأفرشة ومواد غذائية، توجه بها أصحابها للبحث عن الدواوير المتضررة، بعضها يتوقف عند محطة الوقود الأخيرة بأولاد برحيل، للبحث عن هواتف المتضررين والسؤال عن الطريق والدواوير أكثر احتياجا. الهدية جمل توقفت سيارة نقل بضائع بسبب عطب، فبدت حمولتها المتنوعة، مساعدات عبارة عن أغطية وأفرشة، قبل أن تتوقف أمامها أخرى تحمل طناجير كبيرة خاصة بالطهو، بينما مواد أخرى مغطاة. المثير في حمولة الناقلة، التي تعرضت للعطب، أنها تحمل جملا في وضعية جلوس، ليطلق رغاءه (صوته) بين حين وآخر، مظهرا رأسه وكأنه يريد أن يعبر عن شيء. كان سائق الناقلة يتحدث في الهاتف بحثا عن ميكانيكي يساعده في إصلاح العطب، بينما مساعداه شرعا في محاولة البحث عن مشكل التوقف، عبر فتح باب الصندوق الأمامي. صرح السائق لـ"الصباح" أنه يتحدر من الصحراء المغربية، وقدم من طانطان، وأن المساعدات "هي مساهمات الأهالي تضامنا مع المنكوبين"، وأشار إلى أن الجمل هو بدوره تبرعا من أحد المحسنين، وأنه ورفاقه سينحرونه في أحد الدواوير المنكوبة ويطهون لحمه ويوزعونه على الناجين. ناقلات كثيرة تسير في اتجاه تيزي نتاست والدواوير المنكوبة بتافينكولت، وأخرى عائدة منها بعد أن أفرغت حمولتها، أما أرقام لوحاتها فتشير إلى أنها قادمة، أو عائدة من وإلى مدن مختلفة، نظير بركان وطنجة ووجدة والبيضاء والرباط وتيزنيت والجديدة وأكادير وغيرها. تراكم التبرعات مشكل تراكم المساعدات سيما الغذائية، طرح حتى من قبل الأهالي، فالعدد الكبير منها، أصبح يتطلب تأطيرا، وتنبيها إلى تنويع المساعدات، أو الاكتفاء بالمساهمة في صندوق التضامن الذي نادى به الملك، سيما أن الأغذية تتعرض للتلف والفساد بسبب سوء تخزينها ووضعها عرضة للشمس، ناهيك عن أن بعضها يحمل صلاحية قصيرة الأمد. مستشفى ميداني شرع المستشفى العسكري الميداني المشيد على مساحة كبيرة غير بعيد عن مقر الباشوية والجماعة القروية، في استقبال الوافدين، فالمستشفى المتكون من خيام كبيرة تضم تخصصات طبية وصيدلية، وقاعات للفحص. ووفق ما أسر به عضو جماعي، وإن كان هذا المستشفى يظهر المجهودات الجبارة لتتبع حالة المصابين وتقديم الدعم النفسي والعلاجي لهم، وتقريب الرعاية الصحية لمن غادروا مستشفيي أكادير وتارودانت من المصابين والمعطوبين، إلا أن اشتراط ترخيص على الصحافة المهنية، قصد القيام بالواجب الإعلامي، يطرح استفهامات عريضة، خصوصا أن الأخبار تتحدث عن أنه شرع في استقبال الوافدين الأحد الماضي، إلا أن سكانا مثلا بجماعة تيزي نتاست لا يعلمون عنه شيئا، فقط يتحدثون عن قافلة طبية استقرت بمنطقتهم. بدا حديث أجودان مسؤول عن الاستقبال غريبا، سيما عندما تحدث عن وجود تعليمات من إدارته في الرباط، ووجوب الحصول على ترخيص، رغم أن المناسبة نفسها تصادفت مع دخول صحافيين من قناة عمومية، ما يطرح استفهامات عريضة حول التمييز في الحق في الوصول إلى المعلومة، وعن أسباب المنع التقني بادعاء وجوب الحصول على ترخيص، رغم أن المناسبة مناسبة تضامن، والإعلام هو الناقل لما يجري وعيون المسؤولين والمواطنين على حد سواء. بدا مشهد المستشفى العسكري وسط ساحة مسيجة، وبجانبه توجد شاحنات، وعدد كبير من رجال الدرك والقوات المسلحة، بينما أطباء عسكريون يخرجون من خيام ويدخلون أخرى. توقفت سيارة خاصة لتحمل امرأة كانت على كرسي متحرك، يعتقد أنها تلقت العلاج، وأن السيارة تخص ذويها الذين تكلفوا بنقلها إلى وجهتها. خيمة أخرى مفتوحة بها كراس، يعتقد أنها مخصصة للزوار من المصابين أو طالبي العلاج. فلا أحد تكلف بالتواصل مع الإعلام حتى يشرح أكثر عن هذا الإنجاز المهم والقريب من المواطنين. الحاجة إلى خيام يروي محمد أن الخيام التي توصل بها أبناء دوار أمسول التابع لجماعة تيزي نتاست، لم تكف وأن عددا من الرجال باتوا في العراء، ويستدرك أن السلطة وعدت بالمزيد. الخيام المنصوبة، في وقت قياسي، لم تخصص بديلا عن سكن أسري، بل تم تنظيمها بتجميع النساء في بعضها والمسنين في أخرى، في انتظار أن يتم تخصيص العدد الكافي لتمكين كل أسرة من تجميع أفرادها. دوار أمسول الذي ابتعد عنه أبناؤه الأحياء، يبدو بعيدا وحالة الدمار خيمت عليه، واختيار الاقتراب من الطريق لنصب الخيام كان للبقاء قريبا من السلطة والمساعدات وغيرها، بينما بعض الدواوير المجاورة له، اختار أهلها تشييد الخيام في حقولهم غير بعيد عن ركام الأتربة والحجارة. في جهة غير بعيدة عن الخيام، انتصبت خيمة كبيرة، خصصت مطبخا، تكلفت فعاليات جمعوية بنصبها للإشراف على المأكل، بينما تبدو الخيام الزرقاء المتراصة، ملاذا مؤقتا، سيما مع حلول فصل الشتاء، خصوصا أنها نصبت على التراب، ما سيهددها بتسرب المياه. البحث عن الماء العديد من سكان الخيام ينتظرون وصول الصهاريج، إذ يعيشون ظروفا استثنائية، وحسب (مصطفي، أ)، وهو من أبناء دوار حصل على خمسين خيمة، فإن المشكل قائم والناس اليوم يغسلون بالمياه المعدنية، وعلى السلطات الإسراع بجلب الصهاريج للتمكن من الماء الكافي للغسل والتنظيف وغيره. فالعائلات اليوم مختلطة، بسبب تخصيص خيام للنساء وأخرى للرجال، أما الدوار فلا أحد يستطيع المبيت فيه، لأن الروائح الكريهة مازالت تخيم عليه، جراء نفوق الدواب وتعفن الجثث قبل انتشالها. أما بالنسبة إلى الكهرباء، فقد تم تخصيص مولدات كهربائية، تعمل بالبنزين، وإلى حدود أول أمس (الأربعاء)، لم يتم تشغيلها بعد، إذ تحتاج إلى تقنيين وأسلاك وغيرها لربط الخيام بالكهرباء، والناس اليوم يستعملون وسائل أخرى للإضاءة إلى حين تشغيل المولدات. خيام أخرى خصصت لتجميع الأغذية والأغطية وقنينات الغاز وكل ما يحتاجه المتضررون، بينما فضل شباب الابتعاد ونصب خيام تخصهم في الجبال في انتظار الحلول. هزات خفيفة مخيفة طيلة الأيام التي أعقبت زلزال ليل الجمعة الماضي، ظهرت هزات متفاوتة الدرجة، آخرها تلك التي شعر بها الناس صبيحة أمس (الخميس)، والتي أثارت الفزع من جديد وأدخلت الرعب في النفوس، خصوصا أن الناس تداولوا بينهم اخبارا تتحدث عن احتمال وقوع زلزال جديد، وفق ما يروج له في "السوشل ميديا". رغم برودة الليل، فإن العديد من الأهالي يفضلون المبيت خارج الخيام، المنصوبة، خصوصا الذكور، إذ يختارون زوايا مختلفة، مثنى وثلاث ورباع، بينما دواوير مازالت نساؤها مجتمعات داخل الحقول، بعد أن أنشأن مكانا خاصا بهن، يقضين فيه النهار بعيدا عن أعين الزائرين، ولا يتفقدن الخيام إلا عند حلول المساء. يتامى وأرامل جولات "الصباح" بين أهالي دواوير جماعتي تافينكولت وتيزي نتاست، المنتشرة على جبال الأطلس الكبير، حملت قصصا مؤلمة ومتشابهة، فآثار الزلزال، وإن كانت ظاهرة في مشاهد الدمار، إلا أن جزءا كبيرا منه لا يظهر، بل يوجد في دواخل الناس، ويترجم قصصا تروى كل ليلة، عن فقدان والدين أو أبناء أو هما معا، وعن يتامى فقدوا معيلهم. طفلة تبلغ من العمر 12 سنة، هي من تبقى وشقيق لها يكبرها سنا، بعد أن أزهقت الأنقاض روح والدها وشقيقيها. لا تفارقها الابتسامة، وتنظر إلى الوافدين وكأنها تعيش فرجة موسم من مواسم الصيف. صرح ابن عمها أن عائلته وعائلتها فقدتا سبعة أشخاص في المجموع، وأنه اليوم معيلها وأن الأرزاق بيد الله. صمود وصبر وقناعة، تلكم صفات متشابهة لسكان الدواوير التي دمرها الزلزال، وأفقدها بريقها وأبناءها، رجالا ونساء وأطفالا.