مصابون بتارودانت نقلوا إلى مآو مختلطة في انتظار حلول والمعلومة ممنوعة بتعليمات لم تتوقف حركة سيارات الإسعاف التابعة للجماعات القروية أو تلك التي تنتمي إلى الوقاية المدنية، أول أمس (الثلاثاء)، ولا صوت منبهاتها التي تدعو لفسح الطريق، إذ في كل مرة يفتح باب مستشفى المختار السوسي بتارودانت، لنقل مصاب نحو جهة أخرى، بينما الذين تلقوا العلاج وضعوا في خيمة، نساء ورجالا، حيث يفترشون أفرشة بسيطة ويتراصون الواحد جنب الآخر، في مشهد مريب يسائل بنيات الإيواء الصحي في حالة الطوارئ. المصطفى صفر - تصوير: عبد اللطيف مفيق (موفدا الصباح إلى تارودانت) داخل المستشفى في الجانب الأيسر لبوابة المستعجلات، وخلف سياج حديدي، توجد خيمة، متوسطة الحجم، غير بعيدة عن أخرى أعدت قاعة انتظار الزوار من ذوي ضحايا الزلزال. خيمة استشفاء فراش إسفنجي جنب آخر، والمصابون متراصون، بعضهم أصيب بكسر في يديه وآخرون في الأرجل. أطفال صغار بدورهم أخذوا مكانهم في الخيمة التي ضاقت بهم والتي لا تتعدى مساحتها 12 مترا طولا. مشهد مؤلم لمصابي الزلزال بعد تلقيهم العلاج ورتق جراحهم، أو تضميد كسورهم. وحدهم شباب وشابات الهلال الأحمر، من يهتم بشؤونهم. مصاب يتعدى عمره الستين، يضع الجبس على رجليه، إحداهما تعرضت لكسر مزدوج بينما الأخرى تعرضت لأضرار في القدم، لا يقوى على الوقوف، ويستلقي عل ظهره، وإلى جانبه زوار حلوا للاطمئنان على صحته. يتحدر المصاب من تيمولاس، وهي منطقة تتبع لتارودانت، تعرضت بدورها لدمار جراء الزلزال، إذ توفي ستة من سكانها جراء الهزة. يروي أنه أمضى ثلاثة أيام بالخيمة، فبعد تلقيه العلاج نقل على محمل طبي إليها، وتم إنزاله في المكان الذي مازال فيه، ويحكي أيضا أنه تلقى الوجبات والرعاية، ويحمد الله على ما آل إليه. ظل يتحدث إلى زائريه، قبل أن يودعوه. عندها تقدمت منه فتاة ترتدي وزرة بيضاء تبين أنها من طاقم التمريض، لتخبره أنه سينقل إلى مأوى خيري، في انتظار حلول موعد فحصه من جديد، ليظهر شابان يجران سريرا خاصا بسيارة الإسعاف لحمله. سيارة للنقل المدرسي تقف بجانب الخيمة، لحمل الأشخاص الذين تلقوا العلاج من إصابات طفيفة قصد إرجاعهم إلى دواويرهم حسب الرغبة التي أبدوها. حكايات مؤلمة جل الوافدين على الخيمة ممن تلقوا العلاج بسطاء، يؤمنون بالقدر خيره وشره، ولا يحتجون أو يطالبون بأكثر مما هم عليه، فهم قنوعون، فقط تراهم بين الحين والآخر يتحدثون إلى من بقي حيا من أقربائهم ويطمئنون على أحوالهم ويسألون عن الباقين من الأحياء وكيف يواجهون قساوة الموقف. امرأة ترتدي لباسا أبيض، وهي من الأرامل بسبب الزلزال، تجلس على الاسفنجة المقابلة تعرضت لكسور في يديها، تروي أنها تتحدر من دوار تالبورين، وأنها فقدت زوجها. كما تحكي عن ثواني الجحيم التي مرت عليها كساعات طويلة، وكيف حاولت إنقاذ زوجها قبل أن تسقط عليها خرسانة ثقيلة أصابتها في يديها. لا تخلو الخيمة من أطفال صغار، أحدهم صبي لم يكمل بعد شهرين، تحمله أمه الشابة وهي تستلقي على إسفنجة بسيطة على الأرض في منظر محزن، بينما طفلة أخرى يصل عمرها ست سنوات، أصيبت بجروح في الرأس ما أدى إلى حلق شعرها، بينما طفل آخر يحمل ضمادة في عنقه وبجانبه فحص الأشعة. كل ناج من المصابين ينتمي إلى دوار ويحمل معه ذكريات أليمة عن فقدان أحبة أو ساعات الجحيم التي قضاها قبل نقله إلى المستشفى. شرعت السلطات الطبية منذ الساعة الثالثة والنصف، في نقل بعض من تؤويهم الخيمة، من المصابين، إلى مركز للإيواء، فليس لهم مكان يلوذون به بعد أن تهدمت سكناهم، وأصبح ذووهم من الناجين يطلبون خيمة تؤويهم إلى حين. المعلومة خط أحمر بينما كان شابان يقومان بتصوير طابور سيارات الإسعاف وبعض جوانب المشاهد التي تؤثث المستشفى، كان مسؤول يشرح لـ"الصباح" أنه من أجل الحصول على المعلومة، أو التصوير، ينبغي التوفر على ترخيص من الوزارة، أو المندوبية، ورغم توضيح أن الأمر يتعلق بمهني يحمل بطاقة المجلس الوطني للصحافة، حاول تكرار الكلام نفسه، بينما ظل مصور "الصباح" ممنوعا من الولوج. الحق في المعلومة رغم أنه حق دستوري، ورغم أن الصحافي المهني، يبحث عن الحقيقة ويتجنب نشر ما يروج خارج المستشفى من أخبار عن إهمال وتقصير، إلا أن المسؤول أصر على ضرورة التوفر على ترخيص، بل أكد أن تعليمات "من الفوق" هي التي أملت ذلك. عادت "الصباح" للمستشفى في فترة العصر، لكن لمهمة محاورة مسؤول لمعرفة إن كان هناك فعلا خصاص في معدات وأدوية كانت موضوع مراسلة متداولة، والتأكد من صحة وقائع أخرى، إلا أن ذلك كان دون جدوى. ضحايا يطلبون مسؤولين تحولت بوابة المستشفى إلى ملاذ لبعض ضحايا الزلزال ممن يطلبون حقا من حقوق، سيما بعد أن علموا بزيارة الوزير ومسؤولين آخرين. قدم شيخ ملتح إلى البوابة الرئيسية يشرح أن منزله تهدم بالكامل، وأنه يبيت وأسرته في العراء، مطالبا بالانتقال إلى الدوار. كان يتحدث بنبرة احتجاج عالية أدخلته في توتر مع بعض الحاضرين، سيما أنه لجأ إلى مستشفى للتطبيب وليس مقر العمالة أو الولاية حيث يوجد من أنيطت بهم أمور توفير تلك الاحتياجات التي يطلبها. امرأة تجاوزت الخمسين من عمرها، وقفت بدورها أمام جموع الصحافيين الذين لم يسمح لهم بالولوج أو بأخذ تصريح من المسؤول، وشرعت في بث شكواها موضحة أنها توجهت إلى العمالة فطردت منها، وتطالب بالاهتمام بأمها التي تبيت في العراء، بعد أن سقط منزلها جراء الهزة الأرضية، لم تجد من يصغي إليها فحولت طلبها إلى من ينقلها فقط للتوجه إلى الدوار البعيد للاطمئنان على والدتها المسنة. شنآن أمني كانت الساعة تشير إلى الرابعة إلا عشر دقائق، وموعد زيارة المرضى محدد في الرابعة تماما، ومجموعة من الزوار يقفون عند البوابة، بعضهم يحتج على حارس الأمن الخاص، مطالبا بالولوج، لأمر ضروري يتعلق بمريض، قبل أن تتحول المطالبة إلى شنآن. تدخل رجلا الأمن والقوات المساعدة المرابضان بالمكان من أجل تسوية الخلاف، قبل أن يفسحا للمواطن المجال لدخول المرفق العمومي، سيما أنه كان مصرا وشرح أن الأمر ضرورة ملحة. لم يستسغ حارس الأمن الخاص الأمر وشرع في الاحتجاج على أمني لدرجة استعمل فيها يده بطريقة فظة، ما أثر الشرطي، ليتحول الأمر إلى شنآن جديد بين رجل الأمن الوطني، الذي أصر في كلامه على ضرورة احترام المواطنين ومراعاة الظروف التي يعيشونها وذووهم، وبين الآخر الذي كان يتحدث لغة أخرى، ليأمره الشرطي بإنزال يده وخفض صوته، عندها التفت رجل الأمن الخاص إلى زميله وأمره بفتح الأبواب ضدا على تدخل الشرطي وتنبيهه، لتزحف جموع من كانوا بالبوابة مهرولين إلى الداخل، وينظر حارس الأمن الخاص إلى زميله وهو يقول "يالله خليهم منهم ليهم". مشهد التوتر سمح لـ"الصباح" بالتعرف على قرب على معاملة الزوار، وكذا على الولوج إلى المستشفى، والوقوف على مختلف المجهودات المبذولة، ومعاينة الخيمة حيث يوجد المصابون الذين لم يجدوا سريرا يقضون فيه أيامهم بالمستشفى بسبب الاكتظاظ والضغط الكبيرين.