زيـان: هيآت الرقابة والحكامة أكذوبة كبرى

النقيب السابق طالب بحلها والكف عن استعمالها لمآرب أخرى غير حماية المال العام لم يتردد وزير حقوق الإنسان والنقيب السابق محمد زيان في المطالبة بحل جميع هيآت الرقابة المحدثة في الخمس عشرة سنة الأخيرة، معتبرا أنها أكذوبة كبيرة، على اعتبار أن الأمر يتعلق فقط بطريقة لتوزيع الأموال على أناس شاءت الصدف أن يكون أغلبهم من اليسار القديم. كما أضاف أن القائمين عليها ليس من حقهم استغلال هذا الوضع الانتقالي ومواصلة المساهمة في هدر المال العام بالحصول على أجور وميزانيات تثقل كاهل الدولة. لماذا فشل المغرب في مأسسة المراقبة على المؤسسات العمومية ؟ عندما أتكلم في مثل هذه الإشكالات عادة ما تحضرني قاعدة سوسيولوجية أعتبرها من المسلمات ولا يمكن لأحد تفنيدها مفادها أنه عندما يكون هناك تضخم في عمل ما تأتي النتائج عكس الأهداف المسطرة في البداية، بمعنى أن الإفراط في ممارسة معينة ينقل إلى قصور في أداء الوظائف المطلوبة.وهذا هو حال المغرب في مجال مراقبة التسيير والتدبير، فمنذ أكثر عقد من الزمن لا تكاد تمر سنة إن لم نقل بضعة شهور، حتى يطلع علينا بلاغ يبشر بهيأة جديدة في مجال المراقبة والحكامة وما شابه ذلك، دون أن يتمكن المغرب من القطع مع التسيب السائد في العديد من المؤسسات التابعة للدولة، أكثر من ذلك فإن هذه الهيآت، التي يكون الهدف الأساسي منها الحد من هدر المال العام، أصبحت تكلف ميزانية الدولة ملايين الدراهم دون فائدة ترجى، على اعتبار أن آخر مستشار أو عضو في مجالسها يتقاضى بين 15 ألف درهم و30 ألف درهم، مع العلم أن أطقم تلك الهيآت لا يقل عدد أعضائها عن الـ 50 بين مستشار وموظف، هذه أكذوبة كبيرة والأمر يتعلق فقط بطريقة لتوزيع الأموال على أناس شاءت الصدف أن يكون أغلبهم من اليسار القديم. حتى لو افترضنا أنها معطيات صحيحة، فإن ذلك لا يمنع من الإقرار بأنها تضم عدد من الفعاليات المهمة في مجال تخصصها ؟ التخصص شيء والفعالية شيء آخر وبخصوص صحة المعطيات التي ذكرتها أنا على استعداد لأوضح بالأرقام أن الأمر يتعلق فقط بطريقة تصرف بها الدولة تعويضات على «تضحيات» أو «خدمات» قدمها هؤلاء لأجهزة الدولة، ويمكن أن تأخذ أي هيأة شئت من هيآت الرقابة والحكامة سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى السمعي البصري، ستجد أن أكثر من ثلثي الأعضاء آتون من اليسار القديم بشكل تبدو معه الدولة وكأنها تريد أن تضمن لهم تقاعدا مريحا جزاء لهم على ما قاموا به، وطبعا أنا لا أقول ذلك من فراغ وحصيلة عملها تفضح الأمر، والأكيد أن الجميع أصبح يدرك اليوم أن تلك الهيآت فشلت في لعب أي دور يذكر اللهم إيجاد طريقة قانون لتعويض بعض الفصائل والتيارات السياسية.لنأخذ على سبيل المثال مجلس المنافسة، هل حدث يوم أن فضحت هذه الهيأة قطاعا لا يحترم فيه مبدأ المنافسة، أو خرجت بقرار تطالب من خلاله بوضع حد لاحتكار جهة ما لنوع معين من السلع أو الخدمات وما أكثر ذلك، أبدا، أضف إلى ذلك هيأة محاربة الرشوة اللهم إصدار بعض التقارير الإحصائية بين الفينة والأخرى. لكن القائمين على بعض تلك الهيآت يرجعون عدم فعاليتها إلى التأخر في إخراج قوانينها التنظيمية تنفيذا لمقتضيات الدستور الجديد ؟ هذه حجج واهية ولا يمكن تعليق الفشل دائما على شماعة التأخر في تنزيل الدستور، لأن كل واحدة من تلك المؤسسات خلقت بظهير ملكي بمثابة قانون يحدد صلاحياتها، ويأمر وزارة المالية بتوفير ميزانية التسيير تلبي حاجياتها المالية سواء تعلق الأمر بالأجور والتعويضات أو بمتطلبات البحث التوثيق والدراسات.وإذا كان القائمون على تلك الهيآت يعتبرون أن لا شرعية دستورية لهم، فليس من حقهم استغلال هذا الوضع الانتقالي ومواصلة المساهمة في هدر المال العام بالحصول على أجور وميزانيات تثقل كاهل الدولة، لماذا لا يتذكرون دستورية هيآتهم عند صرف الميزانيات.هذه الهيآت تتوفر على إطار قانوني واضح يحدده ظهير شريف بمثابة قانون وترصد لها ميزانيات خاصة للقيام بالصلاحيات والمهام المسندة لها بحكم القانون، ماذا يريدون أكثر، هل ينتظرون أن تخصص لهم الدولة مواكب دراجات الدرك والأمن الوطني حتى ينزلوا من أبراجهم ويزاولوا مسؤولياتهم، والقول بأن هناك خصاصا في الآليات فتلك كارثة، على اعتبار أن ذلك يعني أنهم فاشلون ولم يتمكنوا من وضع التصورات والمخططات الكفيلة بتحقيق الأهداف التي جاؤوا من أجلها، ولا يوجد حل في هذه الحالة إلا تقديم استقالتهم وتخليص الدولة من صرف ميزانيات لا طائل منها. ومع ذلك هناك استثناء على هذا المستوى يجسده المجلس الأعلى للحسابات هل تدخلونه ضمن الهيآت الفاشلة ؟ لا أبدا، المجلس الأعلى للحسابات يدخل في منظومة مغايرة تماما وهي منظومة المحاكم المالية التي كانت تعمل حتى في ظل حالة الاستثناء وتعليق العمل بالدستور، ومهمتها الأساسية هي مراقبة شرعية صرف الميزانيات، لكن الإشكال الذي كانت تعانيه هو التأخر في فتح الملفات، إذ كانت تفحص تنفيذ الميزانية بعد أربع أو خمس سنوات، وطبيعي أن تكون هناك صعوبة في المتابعة القضائية، بعد أن يكون المسؤول أصبح وزيرا أوربما وزيرا أول، أو ربما لم يغادر منصبه إلا إلى دار البقاء. أمام فشل هيآت الرقابة الحالية ما هو الحل في نظركم للحد من نزيف هدر المال العام والاغتناء غير المشروع ؟ أن تقوم الدولة بإحداث مؤسسات للرقابة، فذلك يعني أنها تريد الحد من هدر المال العام، وبتالي إذا لم تتمكن تلك الهيآ من مضاعفة ما يصرف عليها على الأقل 100 مرة فإن الحل المنطقي، في نظري، هو حلها، ماعدا إذا كان الغرض من إحداثها تحقيق مآرب أخرى مسكوت عنها. لابد من فتح باب الرقابة أمام المجتمع المدني شخصيا لا أعرف ما هو دور المفتشية العامة لوزارة المالية، هل الأمر يتعلق بمختبر لإعداد الوزراء، من خلال جعلها معبرا لإجراء بعض التداريب قبل تولي المسؤوليات الحكومية، مع أن الأمر يتعلق بجهاز حساس ويتطلب كفاءة وخبرة عاليتين فهو يقوم بإحدى أهم العمليات في مراقبة المالية العمومية، خاصة في ما يتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات.ومع ذلك لا يمكن للمراقبة الداخلية أن تقوم بكل العمل، ولابد من فتح الباب أمام هيآت المجتمع المدني للقيام بدورها في هذا المجال، خاصة أن تأثيرها غالبا ما يكون له وقع أقوى، فهي غير مطالبة بالتقيد بالإجراءات القانونية والإدارية، ويمكنها أن ترصد كل اغتناء غير مشروع وتطالب بتقديم التوضيحات اللازمة، وكذا تعقب الثغرات التي يمكن أن تسعف الموظف العمومي في تجاوز كل أنواع الرقابة، وحتى إذا أخطأت هيآت من المجتمع المدني في اتهاماتها فهي تمتلك كل الوسائل للتكفير عن ذلك سواء بالاعتذار أو التوضيح وهو ما لا يمكن أن تقوم به الهيآت التابعة للدولة أو الداخلة في دائرة السلطة القضائية.

زيـان: هيآت الرقابة والحكامة أكذوبة كبرى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"بادس"... مدينة على سفح التجاوزات

الوسيط... مقبرة الشكايات والمظالم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات