الصنهاجي وقصة حرق فاس

المهدوية في المغرب 5 دخل المدينة بالقوة وحرق أسواقها وارتحل إلى بلد المزمة فقتل العديدين شهد تاريخ المغرب أحداثا فاصلة لعب فيها دعاة "المهدوية" أدوارا اجتماعية وسياسية، نتجت عنها حروب دامية. و"المهدي المنتظر" هو الرجل الذي لا بد من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا، بعد أن ملئت جورا، ويعز الدين ويتولى الإمامة العظمى للمسلمين، ثم يكون خروج الدجال وما بعده من علامات وأشراط الساعة، ثم ينزل من بعده عيسى فيقتل الدجال، أو يأتي عيسى مع المهدي فيقتلان الدجال. ونظرا لسهولة استغلال فكرة المهدي المنتظر في الدعوات السياسية في تاريخ المغرب، أقبل مغاربة أكثر من غيرهم على انتحال المهدوية، وتم توظيفها لتحقيق الأغراض الدنيوية بالدين، كما تشير أخبار أغلب الذين ادعوا المهدوية في تاريخ المغرب، وأكثرهم من أهل العصر الوسيط، ممن تعقب أخبارهم العلامة ابن خلدون في "المقدمة والعبر". وتهدف المهدوية في كل الديانات والمعتقدات إلى التغيير الاجتماعي، وتعد أنصارها بالمستقبل الأفضل في العالم الدنيوي، لكن بتوظيف وسائل مرتبطة بماهو غيبي أخروي. خالد العطاوي ادعى صالح الصنهاجي أنه رسول الفاطميين، وذكره ابن خلدون قائلا: "ظهر في غمارة في آخر المائة السابعة وعشر التسعين منها، رجل يعرف بالعباس، وادعى أنه الفاطمي، واتبعه الدهماء من غمارة، ودخل فاس عنوة، وحرق أسواقها، وارتحل إلى بلد المزمة، فقتل بها غيلة، ولم يتم أمره، وكثير من هذا النمط ." ونظرا لأهميتها، انتقل الثائر الفاطمي الحاج العباس بن صالح الصنهاجي إلى المزمة (الحسيمة حاليا) ويرجع أصله إلى بني كميل غرب بادس بالجزائر. دخلها واتخذها قاعدة لثورته، ولاشك أن هذا الحدث ألحق ضررا بأنشطتها التجارية ومرافقها المختلفة، نتيجة المواجهات العسكرية التي جرت بها وبنواحيها بين بني مرين وأنصار العباس، التي انتهت بقتله وتعليق جثته على أحد أبواب المزمة في 1287. ويبدو أن المدينة أعادت ترميم مرافقها، بعد فترة قصيرة من انتهاء ثورة هذا الفاطمي، بفضل اهتمام أبي يوسف يعقوب المريني، فتأكدت أهميتها الإدارية بوجود الأمير العامل أبي عامر بن يوسف بن يعقوب المريني، الذي انطلق منها للقضاء على أولاد الأمير أبي بكر بن عبد الحق القادمين من المغرب الأوسط في 1291. ويصف ليون الإفريقي (الحسن الوزان) هذه المدينة كالتالي: "كانت المزمة مدينة كبيرة واقعة فوق جبل صغير على ساحل البحر المتوسط بالقرب من حدود إقليم كرط. يقع في أسفلها سهل كبير عرضه نحو عشرة أميال وطوله ثمانية وعشرون ميلا من الشمال إلى الجنوب، ويمر نهر نكور في وسطه فاصلا بين الريف وكرط... وكانت هذه المدينة قديما في غاية الحضارة، كثيرة السكان ودار مقام لأمير هذا الإقليم. لكنها دمرت ثلاث مرات. خربها أول مرة خليفة القيروان الذي غضب على أمير المزمة حين امتنع عن أداء الخراج المعتاد فسقطت المزمة في يده ونهبها وأحرقها وقطع رأس أميرها وأرسله إلى القيروان على رأس رمح عام 318 للهجرة. وظلت المدينة مهجورة خمسة عشر عاما قبل أن يقوم بعض الأمراء بإعادة تعميرها... والمزمة الآن خربة، لكن أسوارها قائمة سالمة، ويرجع تاريخ تدميرها الأخير إلى عام 872 للهجرة". أما عن الثائر الفاطمي، الحاج العباس، الذي هزم في 1287، فقد طيف برأسه المقطوع في كل أرجاء المملكة، ليعلق بعدها في مراكش، بينما علق جذعه في شمال البلاد بمدينة المزمة، ونظرا لهذا، صار فضاء البلد محددا برأس وجذع يشكلان معلمين في جغرافية البلاد، عبر التمادي في ظاهرة "التطواف" والعرض العلني لرأس وجذع الحاج العباس بن صالح الصنهاجي . جسد سياسي إنه، في نهاية المطاف، الجسد المهشم الذي صار يحدد فضاء العقوبة، أي فضاء السلطة المتغلبة. ففي رحم المسافة الفاصلة بين الرأس والجذع، كان هناك "جسد سياسي" في طريقه نحو التشكل السياسي للدولة المرينية.

الصنهاجي وقصة حرق فاس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشهرة "طلعات لي في الراس"

مستفيدون لا يكترثون بالمخاطر

مقالات ذات صلة