معالم الجدية في الحياة القضائية

الخطوات الملكية أرست قضاء قويا ومستقلا بجعله في صلب الإصلاح الدستوري لسنة 2011 (2/1) عرف الخطاب الملكي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس لشعبه، بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتولى جلالته عرش أسلافه الميامين، بعث رسائل قوية وصريحة تبرز أهمية مفهوم الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية. وإن كان الخطاب الملكي قد جعل من مفهوم الجدية أساسا لتوجيهاته السامية ورسالة لمختلف مسؤولي مؤسسات الدولة قصد التحلي بالصرامة والإخلاص في أداء المهام والصدق تجاه الوطن، فإن هذا المفهوم المذكور يبقى مفهوما كاشفا للتوجهات والممارسات الجدية التي ما فتئ جلالته يبادر إليها في كل خطبه السامية وتوجيهاته وتعليماته لمسؤولي مؤسسات الدولة سواء المعينين منهم أو المنتخبين، مراعاة لمصلحة الوطن والمواطنين. قد عرف المشهد القضائي منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين رعاية واهتماما خاصا، منطلقه الإصلاح الشامل والعميق للقضاء بخطوات جدية وصادقة اتسمت بتكريس استقلالية السلطة القضائية وتعزيز الضمانات الممنوحة للقضاة وتخليق المشهد القضائي، وعليه سنقارب معالم الجدية في الحياة القضائية من خلال الخطب الملكية باعتبارها مرجعية لذلك، (أولا)، ومن خلال دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تكريس الجدية آلية للممارسة المؤسساتية، (ثانيا). أولا: الخطب الملكية كمرجعية أساسية لتكريس الجدية في الحياة القضائية يعتبر القضاء اللبنة الأساسية للحكم ومحورا أساسيا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يشكل ركائز دولة الحق والقانون، بالإضافة إلى أنه من مهام الإمامة العظمى التي يتقلد أمانتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين. وهو ما جعل القضاء يحتل مكانة بارزة في مسار الإصلاحات والأوراش الكبرى، يؤكدها الاهتمام الدؤوب والجدي لجلالته في جل خطاباته السامية، من خلال حثه على ضرورة الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، ترسيخا لدعائم دولة الحق والقانون. ولقد استهل جلالته بعد تربعه على عرش أسلافه الميامين، خطبه الموجهة للشأن القضائي، عبر خطابه السامي بمناسبة افتتاح أشغال المجلس الأعلى للقضاء، بتاريخ 15 دجنبر 1999، والذي جاء فيه: " إن العدالة كما لا يخفى هي الضامن الأكبر للأمن والاستقرار والتلاحم الذي به تكون المواطنة الحقة، وهي في نفس الوقت مؤثر فاعل في تخليق المجتمع وإشاعة الطمأنينة بين أفراده وإتاحة فرص التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي وفتح الباب لحياة ديمقراطية صحيحة تمكن من تحقيق ما نصبو إليه من آمال، وإذا كان الجميع مطالبا بمضاعفة الجهود وبذل الطاقات لمجابهة المستحدثات المتلاحقة ورفع تحدياتها، فإن المعول كبير على قضاتنا في حدود اختصاصاتهم الدستورية، أن يواصلوا أداء رسالتهم المقدسة بما يتناسب وما تفرضه تعاليم شريعتنا السمحة من عدل وإنصاف واستقامة وكرامة وحماية للقانون وتمسك بالفضائل الخلقية السامية التي ينبغي أن تتحكم في السلوك والتي أنتم لاشك مثالها والقدوة». وقد واصل جلالة الملك محمد السادس التوجه الإصلاحي للقضاء، من خلال خطابه بمناسبة ترؤسه افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء، بتاريخ فاتح مارس 2002، إذ جاء فيه: " كما يجب على القضاء أن يوفر الرؤية التوقعية الحقوقية المطمئنة والموضحة للضمانات، التي يكفلها القانون، معززا بذلك مناخ الثقة التي تعد حجر الزاوية للاقتصاد الليبرالي، مساهما في النهوض بالاستثمار والنماء الاقتصادي. لذا حرصنا على إعادة الاعتبار للقضاء وتأهيله وتطهيره من كل النقائص والشوائب المشينة، محددين بكل حزم ووضوح سبيل الإصلاح الذي لا مناص منه. وقد تحقق بالفعل تقدم لا جدال فيه، حيث تم إيقاف مسلسل التدهور والمضي قدما في عملية إعادة البناء وعصرنة العدالة مما مكن من تعزيز الاستقلال الفعلي للقضاء وتقوية سلطته في تجسيد المساواة أمام القانون والإسراع في تنفيذ الأحكام». كما أوضح جلالته من خلال الخطاب السامي نفسه ضرورة الانخراط الجدي للقضاة، سواء أفرادا أو من خلال تمثيليتهم المهنية الجمعوية في ورش إصلاح القضاء إذ جاء فيه: "إن التعبئة الشاملة التي يتطلبها الورش الكبير لإصلاح القضاء تستلزم المشاركة الفعالة والواسعة للقضاة فيه. وهنا يبرز الدور المنوط بالودادية الحسنية للقضاة التي ننتظر منها وفي نطاق مهامها وأهدافها أن تواكب هذا الإصلاح وتدعمه بكل فعالية، متيحة بذلك لجميع القضاة الإسهام في تجديد الصرح المشترك للعدالة وإضافة قيمة جديدة لبرامج التعاون الدولي والانفتاح على العالم القضائي والتكوين المستمر وتحديث القضاء». وعرفت الخطابات الملكية منحى تصاعديا في الدعوة الى إصلاح القضاء، من خلال الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بتاريخ 20 غشت 2009 والذي يعد بحق خطابا مفصليا في مسار إصلاح القضاء، إذ تضمن الخطوات الجدية والحقيقية لتكريس الإصلاح، وجاء فيه: " ومواصلة للجهاد الأكبر لتحقيق هذا الهدف الأسمى، فقد ارتأينا أن نخصص خطابنا، المخلد لذكراها السادسة والخمسين، لإطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، تعزيزا لأوراش التحديث المؤسسي والتنموي الذي نقوده.» وحدد جلالته من خلال هذا الخطاب الـمحـاور الأساسية لـلإصلاح معبرا عن إرادته الشريفة للتنزيل الجدي والصادق والواقعي لإصلاح، القضاء، وجاء فيه كذلك: " إن الأمر يتعلق بورش شاق وطويل، يتطلب تعبئة شاملة، لا تقتصر على أسرة القضاء والعدالة، وإنما تشمل كافة المؤسسات والفعاليات، بل وكل المواطنين. وإننا لنعتبر الإصلاح الجوهري للقضاء، حجر الزاوية في ترسيخ الديمقراطية والمواطنة لدى شبابنا وأجيالنا الحاضرة والصاعدة. لذا، ننتظر من الجميع الانخراط القوي في كسب هذا الرهان الحيوي، بنفس روح الثورة الدائمة للملك والشعب، على درب استكمال بناء مغرب العدالة التي نريدها شاملة، بأبعادها القضائية والمجالية والاجتماعية». واستمرت الخطوات الملكية السامية لإرساء قضاء وطني قوي ومستقل، من خلال جعل القضاء في صلب الإصلاح الدستوري لسنة 2011 إذ نص الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة حول مشروع الدستور الجديد بتاريخ 9 مارس 2011 على الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وهو الأمر الذي تعزز بالمصادقة على ذلك عبر الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور والذي كرس استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يبرز الطابع الجدي لتنزيل إصلاح القضاء. واستمر الاهتمام السامي لجلالته بمسألة إصلاح القضاء، من خلال تتبعه لأشغال الهيأة العليا لإصلاح القضاء، إذ نص الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد، بتاريخ 30 يوليوز 2012 ، على أن:" وانطلاقا من كون دولة الحق والقانون هي مصدر كل تقدم، فقد جعلنا العدالة في مقدمة أوراشنا الإصلاحية. وحيث إن الدستور الجديد يضع استقلال القضاء في صلب منظومته، فإن الشروط باتت متوافرة لإنجاح هذا الورش الكبير، متطلعين إلى أن تعمل الهيأة العليا لإصلاح العدالة، وفق مقاربة تشاركية منفتحة، لإعداد توصيات عملية ملموسة، في أقرب الآجال». لقد أبرزت الخطب الملكية التي تناولت مسألة إصلاح القضاء والعدالة، أن القضاء قطب رحى الإصلاحات الكبرى في بلادنا انطلاقا من أن العدل أساس الحكم وأن العدل لا يتحقق إلا بقضاء مستقل ونزيه وعبر التنزيل الجدي للإرادة الملكية السامية من خلال المؤسسات المختصة وعلى رأسها المجلس الأعلى للسلطة القضائية. * رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بمكناس

معالم الجدية في الحياة القضائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار الصباح

خروقات واختلالات بجماعة السويهلة

مقالات ذات صلة