تساؤلات حول نهاية العمل بمبدأ المحاكمة في حالة سراح ضدا على قانون المسطرة الجنائية بقلم: عبد المجيد خشيع (*) > يزداد الأمر صعوبة حينما تفيد الإحصائيات، أن حوالي 4 في المائة من المعتقلين احتياطيا، تصدر أحكام ببراءتهم، ما يعني أنهم قضوا فترة من عمرهم في السجن من أجل جرم لم يرتكبوه، وكان حريا بالقضاء ألا يعتقلهم، إعمالا لقرينة البراءة، وتجسيدا للقاعدة التي تنص على أن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي، لا يجب إيقاعه إلا في حالة الضرورة القصوى، ولا شك أن هذا الرقم (4 في المائة) من المعتقلين احتياطا الذين تتم تبرئتهم، يسائل السياسة الجنائية، ويسائل ضمائر القضاة المسؤولين عنه. أكيد أن المشرع المغربي أوجد ترسانة قانونية متقدمة مقارنة مع بعض الدول، لكن العيب ليس فيها ولكن في الذي يطبقها. فالاعتقال الاحتياطي، من الناحية القانونية الصرف، لا يمكن الأمر به إلا بتوفر مبررات حددتها المواد 47 و73 و74 من "ق.م.ج". إن مقتضيات المادة 178 من "ق.م.ج" تنص على ما يلي: يجوز لقاضي التحقيق في جميع القضايا، بعد استشارة النيابة العامة، أن يأمر بالإفراج المؤقت تلقائيا، إذا كان الإفراج غير مقرر بموجب القانون، شرط أن يلتزم المتهم بالحضور لجميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك، وبأن يخبر قاضي التحقيق بجميع تنقلاته أو بالإقامة في مكان معين، كما يمكن ربط الإفراج المؤقت بإدلاء المعني بالأمر بشهادة من مؤسسة عمومية أو خاصة للصحة أو التعليم تؤكد تكفلها بالمتهم أثناء مدة الإفراج. يمكن كذلك أن يتوقف هذا الإفراج على وجوب الالتزام بتقديم ضمانة مالية أو ضمانة شخصية. يمكن، علاوة على ذلك، أن يكون الإفراج المؤقت مرفوقا بالوضع تحت المراقبة القضائية وفقا للشكليات المقررة في المواد 160 إلى 174 من "ق.م.ج". يمكن للنيابة العامة أيضا أن تلتمس في كل وقت وحين الإفراج المؤقت، وعلى قاضي التحقيق أن يبت في ذلك خلال أجل 5 أيام من تاريخ تقديم هذه الملتمسات. ولابد من الرجوع إلى المنشور رقم 19 الذي صدر عن وزير العدل المرحوم علي بن جلون بتاريخ 11-12-1957 أي بعد حصول المغرب على الاستقلال، ووقتها لم يكن موضوع الاعتقال الاحتياطي على ما هو عليه الآن، ومع ذلك أصدر الوزير منشورا، أكد فيه ما يلي: قد يكون الاعتقال الاحتياطي الوسيلة العادية والفعالة للوصول إلى الغايات التالية: منع المجرم من الفرار من يد العدالة. منعه من إتلاف وسائل إثبات مسؤولية. وضعه في حالة يتعذر معها عليه العودة إلى الجريمة. إلا أن هذه الوسيلة السهلة هي ذات خطورة استثنائية لأنها لا تخرج عن أنها سلب للحرية الفردية قبل صدور أي حكم. وإنما أشير بنوع خاص إلى أن الاعتقال الاحتياطي هو دائما أمر اختياري. ويتعين البحث عما إذا كان للظنين موطن معروف، إذا كان يمارس مهنة ما بكيفية منتظمة، وإذا كان رب عائلة، وإذا كان مجرما للمرة الأولى، وبصفة عامة تبحث جميع المعلومات التي يمكن جمعها أثناء التحقيق أو بواسطة بحث لهذه الغاية. مبررات التدابير المنصوص عليها في المادة 161 من "ق.م.ج" إن المشرع أعطى للقضاء إمكانية مراقبة أوامر قاضي التحقيق أمام الغرفة الجنحية، ويمكن أن تلغي الأمر بالإيداع في السجن مقابل واحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 من "ق.م.ج"، كما أعطى إمكانية في المادة 182 من القانون نفسه للسلطة التي أمرت بالتدابير سالفة الذكر، أيا كانت أن تعدلها أو تراجعها في كل وقت وتلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو من الطرف الذي يعنيه الأمر. ومن حق المشتبه فيه أن يطالب بالمتابعة في حالة سراح ولو بكفالة مالية تتناسب وظروفه المادية، بل وأيضا بأحد الإجراءات المنصوص عليها في المادة 161 من "ق.م.ج". إن منح السراح المؤقت المقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية مشروط وليس نهائيا، وهو ما نصت عليه المادتان 182 و183 من "ق.م.ج". تنص المادة 182 على أنه "إذا ظل المتهم في حالة سراح أو إذا أفرج عنه إفراجا مؤقتا أو غير مقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية، فإن هيأة التحقيق أو الحكم التي اتخذت القرار، تبقى وحدها مختصة في تقرير إغلاق الحدود في حقه وسحب جواز السفر، كما يجوز لهيأة التحقيق وهيأة الحكم، إذا رأت ذلك ضروريا، أن تعين له محل إقامة، يحظر عليه الابتعاد عنه دون رخصة، قبل اتخاذ أمر بعدم المتابعة أو صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به". يقرر لزوما حجز جواز السفر وإغلاق الحدود في حالة تعيين محل للإقامة الإجبارية إذا تعلق الأمر بأجنبي. يمكن للسلطة التي أمرت بالتدابير سالفة الذكر، أيا كانت، أو تعدلها أو أن تراجعها في كل وقت تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو من الطرف الذي يعنيه الأمر. يكون القرار الصادر في شأن التدابير المنصوص عليها في الفقرات السابقة من هذه المادة غير قابل للطعن بالنقض. تبلغ هذه القرارات إلى المصالح الأمنية المعنية التي يرجع لها الاختصاص قصد تنفيذها. يعاقب كل من تملص من إحدى الالتزامات المبينة أعلاه بحبس تتراوح مدته ما بين ثلاثة أشهر وسنتين وبغرامة يتراوح مبلغها ما بين 1200 درهم و12000. وستعاين محكمة الاستئناف أن المادة 183 من "ق.م.ج"، تنص هي الأخرى على ما يلي: "إذا متع المتهم بالإفراج المؤقت، سواء كان ذلك بكفالة أو بدون كفالة، وجب عليه قبل الإفراج أن يقوم بتقديم تصريح الى كتابة ضبط المؤسسة السجنية، يعين فيه محل المخابرة معه، إما في المكان الذي يواصل فيه التحقيق وإما في المكان الذي يوجد به مقر المحكمة المحالة إليها القضية. يخبر رئيس المؤسسة السجنية السلطة المختصة بتقديم هذا التصريح وبمضمونه. إذ استدعي المتهم للحضور بعد تمتعه بالإفراج المؤقت ولم يحضر، أو إذا طرأت ظروف جديدة وخطيرة تجعل اعتقاله ضروريا، يمكن لقاضي التحقيق أو لهيأة الحكم المعروض عليها القضية، أن تصدر أمرا قضائيا في شأنه قبل الحكم الصادر في الجوهر… كما أن المادة 184 من "ق.م.ج" نصت على ما يلي: إذا كان الإفراج المؤقت متوقفا على وجوب تقديم كفالة، فإن هذه الكفالة تضمن ما يلي: أولا: حضور المتهم في جميع إجراءات التحقيق وتنفيذ الحكم. ثانيا: أداء ما سيذكر حسب الترتيب الآتي: أ ـ المصاريف المسبقة التي أداها الطرف المدني. ب ـ المبالغ الواجب إرجاعها ومبالغ التعويض عن الضرر أو أداء نفقة إذا كان المتهم متابعا من أجل ذلك. ج ـ المصاريف التي أنفقها مقيم الدعوى العمومية. د ـ الغرامات. يحدد مقرر الإفراج المؤقت القدر المخصص لكل جزء من جزئي الكفالة، ويمكن أن ينص على تخصيصها كلها لأداء حقوق الضحايا. مميزات السراح المؤقت إذا كان القصد من الاعتقال ردع وتهذيب المنحرفين، فإنه، إذا بلغ أكثر من المناسب، انقلبت النتائج التربوية المتوخاة إلى نتائج سلبية وسيئة على عقلية وصحة السجين. كم من حالات، أمكن فيها اجتناب، حتى الحراسة النظرية، سيما إذا كان الشخص المتهم أو المشبوه في أسره يتمتع بجميع ضمانات الحضور، ولا يخشى اختفاؤه، وكانت ظروف البحث وذيول القضية، لا تستدعي بتاتا الاحتفاظ به، وذلك على اعتبار أن إبقاءه رهن الاعتقال، ولو ليلة واحدة، يسيء إلى حالته وحالة عائلته. إن الصلاحيات المخولة للنيابة العامة بمقتضى القانون، تكمن في حرص المشرع على أن يكون الإقدام على المطالبة بالاعتقال الاحتياطي تدبيرا حكيما يحفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، والمتهم هو جزء من المجتمع. إن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي. إن المشرع الفرنسي في المادة 144 من قانون الإجراءات نص على أن الاعتقال الاحتياطي يكون مبررا، إذا كان هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على الأدلة أو لمنع الضغط على الشهود واتفاقات الغش والتدليس بين المتهم وشركائه. إن مواد قانون المسطرة الجنائية تعطي لأي مشتبه فيه الحق في المتابعة في حالة سراح. إن انعدام ضمانات الحضور يفيد أن المتهم لا يتوفر على ضمانات حقيقية تؤكد حضوره أطوار المحاكمة ومناقشة القضية، بمعنى أن حضوره مشكوك فيه، للاستماع إليه من طرف قاضي التحقيق، أو أطوار المحاكمة ومواجهته بما يمكن أن يستجد في الملف. إن المشرع المغربي لم يحدد المقصود بانعدام الضمانات، كما لم يضع ولو على سبيل المثال أو الحصر عناصرها، التي يمكن من خلالها القول بمدى توفر المشتبه فيه على ضمانات الحضور من عدمها. فهل انتهى دور الدفاع؟ وهل انتهى مبدأ المحاكمة في حالة سراح ضدا على ما سطره المشرع في قانون المسطرة الجنائية؟ (*) محام بهيأة البيضاء