شبكات قروض بفوائد… النصب بالقانون

تستهدف تجارا صغارا ومسيري شركات كبرى وتبتزهم بشيكاتهم لربح الملايين يظل تقديم قروض بفوائد من قبل أشخاص وشبكات من الجرائم المسكوت عنها، فالضحايا يلتزمون الصمت، فهم مهددون في أي لحظة بدخول السجن، بعد أن سلموا شيكات على بياض مقابل حصول على قرض يكون زهيدا في مناسبات. نادرا ما يتمرد أحدهم بعد أن ضاق ذرعا بابتزاز المرابين، لكن مصيره الاعتقال. والمثير أن القانون ليس في صفه، إذ يتابع بإصدار شيكات دون رصيد، في حين يخرج خصومه من القضية دون خسائر، كالشعرة من العجين. إنجاز: مصطفى لطفي حصر القانون منح القروض على البنوك وشركات القروض، إلا أن جهات استغلت جهل وحاجة مواطنين وتجار ومالكي شركات للمال، للإيقاع بهم في شراكها. يبدأ الأمر بكلام معسول عن عروض مغرية وتسهيلات في الأداء، مع شرط تسليم شيكات تتضمن قيمة الدين وفوائده، لكن بمجرد تسلم قيمة الدين، يجد الضحايا أنفسهم في دوامة لا تنتهي من الابتزاز، فهم مطالبون بالتسديد حتى لو أدوا كامل القرض وفوائده، فليس هناك وثيقة تؤكد ذلك، ومهددون بعرض شيكاتهم على النيابة العامة، وغالبا ما ينتهي الأمر بالحجز على ممتلكات الضحايا وإدانتهم بعقوبة حبسية. إغراء وكمين القرض مقابل فوائد مرتفعة من قبل أشخاص عاديين ليس وليد اليوم، بل يعود إلى سنوات طويلة، لدرجة أنه لا يوجد سوق شهير بالمغرب، لا يحترف بعض تجاره هذه المعاملة المحرمة دينا وقانونا. لكن مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، نجح بعض الضحايا في تسليط الضوء على الاستغلال الفاحش. بمنطقة درب السلطان بالبيضاء، وقع العديد من الباعة الجائلين والحرفيين البسطاء ضحايا شبكات القروض بفوائد، تتزعمها أغلبها نساء، يتحوزن أموالا مجهولة المصدر، يرجح أن نسبة مهمة منها من عائدات الاتجار في المخدرات. قدمت الشبكة إغراءات للباعة من أجل الحصول على مبالغ تتراوح بين مليون سنتيم ومليونين، بحجة الرفع من الرأسمال، مقابل شيكات تتضمن قيمة الدين وفوائده المتفق عليها. وفي حال عدم توفر الضحية على دفتر الشيكات، يتولى أفراد الشبكة فتح حساب بنكي باسمه والحصول على دفتر الشيكات في ظرف قياسي مستغلين علاقتهم مع بنكيين، والمثير أنهم يحتفظون بدفتر الشيكات لأنفسهم. غالبا ما يتم الاتفاق أن يكون تسديد أقساط الدين يوميا، يتراوح ما بين 300 درهم 500، إلا أن الغريب، أن المستفيد من القرض يجد نفسه في ورطة كبيرة، إذ رغم تسديد قيمته وفوائده، فهو ملزم بالأداء لأفراد الشبكة، وإلا سيكون مصيره السجن في حال دفع شيكاته للنيابة العامة. إحراج أمني ورغم تقديم شكايات في الموضوع، وجدت عناصر الشرطة نفسها في ورطة، فالضحايا لا يتوفرون على دليل يؤكد ادعاءاتهم، وفي المقابل، فهم متورطون بسبب الشيكات التي سلموها لأفراد الشبكة، كما حدث لزوجة بائع جائل بالمنطقة نفسها، استفادت من قرض دون علم زوجها لاستثماره في مشروع تجاري مستقل عن زوجها، فصارت عاجزة عن التسديد بسبب المطالب اليومية للمرابين. لم يعلم الزوج بالأمر إلا بعد أن تنبه إلى نقص في مداخيله اليومية، فشك في زوجته ونصب لها كمينا، فضبطها في حالة تلبس، فباحت له بالسر، وأنها مهددة بالاعتقال بسبب شيكات لها. نجح الزوج في النهاية في إنقاذ زوجته، بعد أن تقدم بشكاية لدى الأمن، وإثارة الموضوع في وسائل الإعلام رغم التهديدات. ورطة مسيرة شركة لا تستهدف شبكات القروض بفوائد التجار الجائلين والصغار فحسب، بل امتدت يدها لمالكي شركات في قطاعات مربحة، كما حدث لمسيرة شركة لبيع الحلي والمجوهرات، إذ منعت من الاستفادة من قرض بنكي بسبب معاملة سابقة، فتوسط لها بنكي لدى أشخاص يحترفون منح القروض بفوائد وحصلت منهم على دين بقيمة 50 مليونا مقابل شيكات بالقيمة نفسها مع أصل الفوائد. أدركت المسيرة أنها وقعت في الفخ، إذ صارت ملزمة بأداء خمسة ملايين يوميا أقساط الدين وأرباحه. ورغم تسديد قيمة المبلغ وفوائده، ظل أفراد الشبكة يطالبونها بالمزيد، بل عمد أحدهم إلى تسليمها أرباح الدين لاستثمارها في تجارتها مع تحديد نسب أرباح جديدة. ظلت مالكة الشركة ترضخ لابتزاز دائنيها، إلى أن أفلست، وتم الحجز على جميع ممتلكاتها وعقاراتها، قبل أن يختموا حلقات المسلسل بجرها إلى القضاء بتهمة إصدار شيكات دون رصيد وتدان بعقوبة حبسة. صرامة القانون أفاد علي بوطيبة أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن القانون حصر منح القروض على البنوك وشركات القروض والتمويل التابعة لها، بشكل حصري، وتحت إشراف وتعليمات بنك المغرب، لهذا فمنح القرض يخضع لشروط صارمة من قبل بنك المغرب، إذ أن نسبة الفائدة تكون محددة من قبل بنك المغرب، وألا يتجاوز حجم الدين نصف الأجر، إذا تعلق الأمر بشخص طبيعي وحسب الوضعية المالية للشركات والقطاعات التي تستثمر فيها وإن كانت مدعمة من قبل الدولة. وأكد بوطيبة أنه في مناسبات يتورط أشخاص أو شركات في مشاكل مع بنوك أو شركات قروض بسبب تعثر في تسديد قرض سابق، وبالتالي يجدون أنفسهم ممنوعين قانونا من الاستفادة من قرض جديد، سيما أن جميع الشركات العاملة في هذا القطاع لها قاعدة بيانات يتحكم فيها بنك المغرب، وأمام هذا المستجد يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على الاقتراض من المرابين. أول المشاكل التي يصادفها هؤلاء، يضيف الخبير الاقتصادي، أن نسبة الفائدة مرتفعة جدا، وطريقة تسديد الدين تكون مستفزة وتحت الإكراه، مع تسليم شيكات ضمانة، قد تكون موضوع شكاية لدى النيابة العامة، مبرزا أن الخطير في الأمر أن الضحية قد يسدد نسبة كبيرة من الدين تصل إلى 80 في المائة، وفي النهاية يجد نفسه رهن الاعتقال كأنه لم يسدد درهما واحدا، وإذا أفلت من الاعتقال، يكون عرضة لأعمال انتقامية من قبل أفراد الشبكة، قد تصل إلى حد الاعتداء والاختطاف. لهذا دعا أستاذ الاقتصاد إلى تبني حلول لقطع الطريق على تجار الربا، إذ بحكم ان القطاع البنكي مهيكل بشكل جيد ومنظم، يجب إيجاد قطاع بنكي مواز عبر تأسيس بنوك تشاركية وتعاضدية ومحلية، إضافة إلى فسح المجال للبنوك للتنافس في نسب الفائدة، والتخفيف من الصرامة في الشروط والإجراءات في منح القروض، مع قطع البنوك مع الفلسفة المالية التي تتبناها بصرامة والانفتاح على كل ما هو اجتماعي وتنموي، تقديم الدعم للأشخاص والمقاولات. المتهم أكثر حماية قال مراد العبودي محام بهيأة الرباط، إن المشرع حدد الجهات التي من حقها منح القروض في المغرب، وهي مؤسسة الائتمان، المتمثلة في البنوك وشركات القروض، والتي تعرض على المستهلكين منتوجاتها وفق شروط وضمانات محددة ووفق ما هو منصوص عليها في القانون. لكن في الآونة الأخيرة تطاول الأشخاص الذاتيون على هذا الاختصاص، وصاروا يحترفون منح القروض مقابل فوائد قد تصل إلى ضعف مبلغ القرض دون وجه حق، بغرض الاغتناء غير المشروع. وأضاف العبودي أن المرابين يستهدفون بالخصوص المقترضين، الذين لا تتوفر فيهم شروط الحصول على القرض وفق الطرق القانونية، ويكونون في أمس الحاجة إليه، إما لاستثماره في مشروع أو لقضاء أمور خاصة ملحة ومستعجلة، كالاستشفاء مثلا أو لغرض غير مشروع، منها تمويل أنشطة إجرامية، كالقروض التي يستعملها تجار المخدرات من أجل تبييض أموالهم واستغلال حاجات الناس لجني أرباح من فوائد خيالية. وأكد المحامي، أنه غالبا ما تشترط الجهة المانحة للقروض شيكات مقابل كل أقساط القرض، ضمانا للالتزام بالأداء، رغم أن ذلك يعتبر فعلا مجرما من قبل القانون، فهو يدخل ضمن قبول شيك على سبيل الضمان، إلا أن هؤلاء المجرمين يستفيدون من نقص المراقبة والارتجال في التعامل مع الظاهرة، بحكم أن الشخص المقرض أي المرتكب الفعل الجرمي، يصبح في مركز قوى لتوفره على شيكات دون مؤونة للضحية، ويهدده بالمتابعة القضائية، وفي هذه الحالة تتغير المعادلة، إذ يصبح المجرم أكتر حماية من الضحية، لأنه يعلم أنه عند تقديم الشيك، سيقتصر تحقيق الضابطة القضائية فقط على التوقيع، الذي إن تبينت صحته، تكلف صاحبه الإدانة. وما يشجع انتشار هذه الظاهرة، يضيف العبودي، الشروط والضمانات الصارمة التي تفرضها مؤسسات الائتمان وشركات القروض، ما يجعل المواطنين مضطرين للوقوع ضحية هؤلاء الأشخاص المجرمين، الذين يتخذونها طريقا للاغتناء غير المشروع. وشدد المحامي العبودي على أنه للحد من هده الظاهرة، ولو نسبيا، فعلى كل الفاعلين في هذا المجال، سواء تعلق الأمر بمؤسسات الإئتمان أوالضابطة القضائية، تكثيف المراقبة، وإنشاء فرق خاصة للتصدي لنشاط هذه الشبكات، لما لها من أثر وخيم على الاقتصاد الوطني والمجتمع برمته.لهذا على مؤسسات الائتمان وشركات القروض تبسيط المساطر والإجراءات، وجعلها تتلاءم مع القدرة الاقتصادية للمواطنين. تضامن مع الضحايا أجمع كل المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، على أن احتراف جهات منح القروض بفوائد دون البنوك وشركات القروض يشكل خطرا على المجتمع، بحكم أنه يحكمها منطق واحد هو الجشع ولم يتردد أصحابها في الزج بضحاياهم في السجن، في حين أن المؤسسات المالية تخضع للقانون وضوابطه، مشددين على أن ما وقع للضحايا هو استغلال وظلم من قبل المرابين، وأن على الجهات المختصة التدخل وإيقاف المتورطين الذين تحولوا إلى شياطين تمتص دماء ضحاياها. أول المعلقين، عماد، الذي حاول تقديم تفسير لفشل القضاء على شبكات القروض بالفوائد، إذ في نظره تعمل على شاكلة "مافيا"، وتكون مؤطرة ومحمية بعناصر تنتمي إلى مؤسسات مختلفة لإسقاط الضحايا والتحكم في مصيرهم. معلق، تفاعل مع هذا الموضوع بشكل كبير، بحكم أنه وعائلته من ضحايا القروض بفوائد، إذ وصف المقرضين بالعصابة التي تسببت في شقاء والده، إذ تم الحجز على "فيلته" وعقاراته وضيعته وقطع أرضية للسكن، قبل رمي جميع أفراد العائلة في الشارع، مبرزا أن الحالة الصحية لوالده تدهورت وصار يعاني انهيارا عصبيا والسبب ثقته العمياء. وأضاف أن والده كان يعمل بـ"النية" وليس بالوثائق، وبالتالي القانون لا يحمي المغفلين وأنه صار مهددا بدخول السجن. أما فاطمة، فنبهت في تعليقها إلى أن على الإنسان الابتعاد عن كل شيء مشكوك فيه وأن يكتفي بـ"الساهلة"، وأن يبتعد عن الطمع وأن تكون القناعة سلاحه، حتى لا يقع ضحية شبكات القروض. في حين قدم مراد وصفا مثيرا لضحايا شبكات القرض بالفوائد، عندما شبههم بالمشعوذات اللواتي عقدن اتفاقا مع الشيطان لمساعدتهن في أعمال الشر والشرك، ولما أردن التوبة، حرض عليهن الشياطين الصغيرة لتهديدهن ومنعهن بأي ثمن من العودة إلى الله، إذ غالبا ما يكون مصير الضحايا فقدان ممتلكاتهم كلها والاعتقال. أما مهاجر مغربي بأوربا، فعلق ساخرا أن التجار في المغرب أغبياء لأنهم ما زالوا يتعاملون ويتاجرون بالشيك، ففي هولندا بل حتى أوربا بأكملها، حسب قوله، لا يعترفون بشيء اسمه الشيك، فكلمة الشيك لديهم معناها النصب والسجن.

شبكات قروض بفوائد… النصب بالقانون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وجوه متعددة

"أطفال العالم" في مهرجان دولي حول التسامح

مقالات ذات صلة