أقلام في وجه السلطة : توفيق الحكيم… ووسام عبد الناصر

بدأت متاعب توفيق الحكيم مع السلطة، حين حاول وزير المعارف، خلال مستهل ثورة مصر بداية الخمسينات، فصله من منصبه مديرا لدار الكتب التي كانت تابعة في تلك الفترة لوزارة المعارف، أي التربية والتعليم، لما ترجمت إحدى مسرحيات الحكيم إلى اللغة الألمانية، وعرضت في مسرح "الموزاريتوم" في سالسبورغ، ودعي الحكيم لزيارة ألمانيا ومشاهدة المسرحية، وسافر إلى هناك، وأقيم له احتفال كبير حضره السفير المصري في ألمانيا، وأشاد في تقريره للخارجية المصرية بمدى الاحتفاء الذي قوبل به الحكيم.. ويبدو أن الغيرة قد أكلت قلب وزير المعارف وقتها الذي كان صديقا لتوفيق الحكيم، قبل أن يتولى الوزارة، فكيف لمرؤوس لديه أن يكرم كل هذا التكريم في الخارج؟وعاد الحكيم إلى مصر، ليجد صديقه الوزير قد تقدم بطلب إلى مجلس الوزراء لفصل الحكيم من وظيفته طبقا لقرار التطهير بدعوى أنه موظف غير منتج..لكن تصدى للوزير وقتها ضابط شاب بدأ اسمه يلمع بين زملائه الضباط هو جمال عبد الناصر، إذ صاح في الوزير قائلا: "أتريد أن تطرد كاتبا عائدا إلينا بتحية من بلد أوربي؟.. أتريد أن يقولوا عنا إننا جهلاء؟".وانتهى الأمر بإخراج الوزير من الوزارة، وصارت بعد ذلك لسان عبد الناصر في كل أحاديثه الصحافية والسياسية "طردت وزيرا من أجل مفكر..".مع ذلك، لم يشكر توفيق الحكيم جمال عبد الناصر لا بالمقابلة ولا بالمراسلة، والسبب يعود في ذلك إلى خوف الحكيم من الرؤساء والساسة، وكان عبد الناصر يستغرب من عدم اقتراب الحكيم منه، بل إن هذا الأخير رفض دعوة عبد الناصر له لشرب الشاي في بيته. وكانت فلسفة الحكيم في الابتعاد عن عبد الناصر، هي على حد تعبير الحكيم ذاته، "أن الحكيم لا يريد من المفكر تفكيره الحر، بل تفكيره الموالي، إنه يريد أن يسمع منه تأييدا لا اعتراضا ورسالة المفكر في جوهرها هي الصدق والحرية".وقد منح جمال عبد الناصر توفيق الحكيم أكبر وسام في الدولة المصرية، رغم أن هذا الوسام لا يمنح إلا لرؤساء الدول، إلا أن عبد الناصر أصر على ذلك خلافا للبروتوكول، وذلك في أعقاب هجوم ضار لمجموعة من الشباب على فكر الحكيم، متهمين إياه بالرجعية، كما اتهمه أحدهم، وهو رشدي صالح بأنه سرق فكرة "حمار الحكيم" من الأديب الاسباني "خمينز" وهو أمر اهتز له الحكيم، فتوجه عبد الناصر سنة 1958 ردا عليهم.والطريف أن توفيق الحكيم، كان قد أرسل برقية تهنئة إلى جمال عبد الناصر، قبل وفاة الأخير بشهرين، ثم رثاه في مقال بعد وفاته. لكن التحول في موقف الحكيم تجاه عبد الناصر ظهر من خلال كتابه "عودة الوعي" الذي شن فيه هجوما ضاريا عليه، وكأن وفاة عبد الناصر قد أعادت الرشد والوعي المغيب عند توفيق الحكيم، خاصة عندما استعاد ظروف وملابسات نكسة يونيو 67، الأمر الذي أثار الناصريين الذين هاجموا الحكيم بدورهم.ولم يقتصر اصطدام توفيق الحكيم فقط مع أتباع عبد الناصر، بل أيضا مع خلفه أنور السادات الذي أثار الحكيم غضبه، حين كتب بيانا وقع عليه أكثر من مائة صحافي ينتقد فيه سياسة السادات في أعقاب ما سمي خطاب الضباب، والذي فهم البعض منه أنه ليست لدى السادات نية للحرب ومواجهة إسرائيل.وكانت هناك فقرة في البيان لم ينسها السادات مطلقا، وهي الفقرة التي تقول "لقد كثر الكلام عن المعركة دون معركة، حتى صارت المعركة مضغة في حلوقنا لا نستطيع أن نبتلعها ولا نستطيع أن نلفظها".وكان السادات بعد ذلك بسنوات كلما يتذكر ذلك مع أحد رؤساء التحرير أو أحد الكتاب، يقول لهم: "ما هذا المخرف العجوز توفيق الحكيم، الذي لا أعرف ماذا يعجبكم فيه..." وكان من جراء هذا البيان أن نقل العديد من الصحافيين إلى هيأة الاستعلامات، ثم اضطر بعدها توفيق الحكيم إلى صياغة بيان اعتذر فيه عما أسماه "خطأ في التقدير". إعداد: عزيز المجدوب

أقلام في وجه السلطة : توفيق الحكيم… ووسام عبد الناصر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إسبانيا... ملاذ الباحثين عن خدمات الجنس

من الملاعب إلى كراسي المسؤولية : مجيد...رياضي خدم التنس والعمل الجمعوي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات