ودعته فاس في جنازة مهيبة تليق بمسيرته الحافلة بالتضحيات توقف التاريخ لحظة في فاس ليدون بأسى ولوعة بالغين، خبرا نزل صاعقة على الفاسيين ومعهم كل المغاربة "مات محمد الخضوري"، بعد معاناة طويلة مع المرض. وقف الجميع مشدوهين لهول ما وقع، وتحول منزل الفقيد قبلة للتعازي الصادقة من مواطنين وكفاءات، اعترفوا للرجل قيد حياته بمساحة الاحترام الكبيرة في قلوب أهل فاس، والتي ستظل بعد مماته في وجدانهم مترسخة بمرور السنين. لم يكن الثلاثاء الماضي نهاية رجل عاد في فاس، بل هو رحيل شهم ترجل مكرها عن صهوة النضال، الذي خبره منذ نعومة أظافره، شابا يافعا يقود نضال اليسار في الجامعة المغربية، وينتصر لقضايا الفكر التقدمي التواق لمغرب يوفر الكرامة لكل المغاربة، وكما كان يؤمن رحمة الله عليه بـ "مغرب للجميع"، بدون فوارق اجتماعية طبقية. وفاس وأهلها، وهم يودعون الرجل في جنازة مهيبة صادقة لا رياء فيها، يعترفون له بكفاءة الطبيب الذي داوى الجراح وخفف الآلام، والتزم بقسم أبو قراط الشهير، وداوى أيضا معضلات اجتماعية من موقعه "برلمانيا" عاش يكره المشاركة في "مؤامرة الصمت"، بل ويحفظون له في الذاكرة والوجدان ذلك المناضل الاتحادي، الذي لم يخف يوما من الأيام، في قول كلمة الحق والترافع عن فاس "العميقة"، لومة لائم. وجثمانه مسجى بالمقبرة التي احتضنته طاهرا، كان برجع صدى سنين طويلة من النضال في صفوف الحركة التقدمية المغربية، التي يرجع لها اليوم كل الفضل في ترسيخ مغرب الحرية والكرامة وحقوق الإنسان. وحسب الشهادات، التي تواترت في تأبينه، فإن الرجل من حقه أن يرقد مطمئنا في قبره، لأنه أدى الرسالة وزيادة، من خلال صولاته وجولاته، أزيد من عشرين سنة في قبة البرلمان، من موقعه مستشارا وأيضا رئيسا لفريق المستشارين الاتحاديين، ومدبرا نزيها للشأن المحلي بفاس العالمة. ومن تلك الشهادات ما قاله جواد شفيق، عضو المكتب السياسي لحزب الوردة "ودعنا فيك المناضل الشهم الأصيل والرجل النزيه والشريف، لقد كنت رمزا للوفاء والإخلاص والمحبة والتضحية". كل الذين يعرفون الرجل عن قرب، يعرفون أنه كان محاورا هادئا، يصنع حوله إجماعا عجيبا من كل الأطياف السياسية، ولكنه يفقد كل ذلك الهدوء، متى تعلق الأمر بمساس خطير بكرامة الجماهير الشعبية، التي آمنت به مناضلا لا يشق له غبار. عشية ذاك الثلاثاء الحزين، نامت فاس متشحة بالسواد، حزينة لفقدان هرم كبير تهاوى من القلعة النضالية المغربية، ولسان حال كل الفاسيين على العهد، أن كل طلوع شمس سيذكرهم بمحمد الخضوري، وسيذكرونه كل غروب شمس. عبد الله غيتومي