احتالت على 60 ألف ضحية ومصير مجهول لأزيد من 17 مليارا بإسدال المحكمة الزجرية عين السبع بالبيضاء، الستار عن الفصل الأول من محاكمة زعيم شبكة التسويق الهرمي ومن معه، تتجه الأنظار إلى محاكمة أخرى للشبكة نفسها، في إطار قضايا غسل الأموال، بعد أن اختفت مجموع المبالغ المودعة من قبل المنخرطين في حسابات شركة "لورن أند أورن كوسميتيك". ونزل منطوق الحكم، الذي أصدرته هيأة الجنحي التلبسي برئاسة القاضي ميلود دومر، الثلاثاء الماضي، على زعيم الشبكة ومشاركيه، كالصاعقة، بعد أن تجاوزت الإدانة حدود العقوبة الأصلية، المقررة للنصب، لترتفع بالتشديد إلى الضعف، وفق ما ينطبق على الفقرة الأخيرة من الفصل 540 من القانون الجنائي. إنجاز: المصطفى صفر كانت الجلسة الأخيرة في القضية فرصة للدفاع، لبسط مناقشة فصول المتابعة، والتحدث عن كرونولوجيا الوقائع، وكذا محاولة إظهار زعيم الشبكة المعتقل، بالمستثمر الذي نجح في إنجاز مشروع، تمت محاربته منذ البداية، لدرجة عقل بنك المغرب للأموال، واعتقال الممثل القانوني للشركة، قبل تبرئته والإفراج عن أموال المنخرطين. كما كانت مناسبة للضحايا لبسط الاحتيال الكبير الذي تعرضوا له، والاستيلاء على أموالهم، التي بلغ مجموعها 17 مليارا ونصف المليار، وكيف أن المنخرطين أنفسهم، استعملوا دروعا بشرية، وخرجوا في وقفات احتجاجية يدافعون عن المتهم الرئيسي، ويطالبون بالإفراج عنه وعن أموالهم، قبل أن يتحقق المراد، ويعتقدوا أنهم سيواصلون دربه في هذا النوع من الاستثمار الجديد، الذي أسال لعاب الكثيرين، وجعلهم يحلمون بتحسين ظروفهم المعيشية وتوفير دخل باستثمار المال والجهد والذكاء، قبل أن يستفيقوا على الحقيقة المرة، ويدركوا أنهم سقطوا في يد شبكة من المحتالين، تتفنن في المراوغة والإقناع، بعد أن ضاع كل شيء في غفلة منهم. انتهت المناقشات وأدخل للملف للمداولة، لتصدر الأحكام مخيبة آمال أفراد الشبكة، بعد أن اقتنعت المحكمة بأن ما قاموا به من تلقي أموال من الجمهور، يستحق تشديد العقوبة، لتدين زعيم الشبكة، "زكرياء" بالحبس النافذ لعشر سنوات، وغرامة مالية بقيمة 100 مليون، فيما شقيقه الذي عد ذراعه الأيمن نال سبع سنوات حبسا نافذا وغرامة بـ 10 ملايين سنتيم، أما شقيقه الثاني فكان نصيبه من الحبس خمس سنوات، وغرامة بقيمة 5 ملايين سنتيم، وهي العقوبة نفسها التي كانت من نصيب امرأة وشاب آخرين، بينما كان نصيب متهم سادس أخف، بعد أن أدين بثلاث سنوات حبسا وغرامة بـثلاثة ملايين سنتيم. حيل البداية والنهاية أثيرت القضية منذ 2017، بعد إطلاق سراح المتهم الرئيسي، الذي كان معتقلا على ذمة قضية التسويق الهرمي للشركة المعروفة بـ "لورن أند أورن كوسميتيك"، ورفع بنك المغرب الحجز على ملايير الشركة، إثر تعهده بإرجاع الأموال إلى أصحابها. لكن بعد مغادرته السجن ظهرت معطيات، تفيد استحواذه على المبالغ التي قدرت ب 17 مليارا، وشرع المنخرطون في 2021 ينبهون بعضهم البعض إلى اختفاء الأموال وتهريبها إلى الخارج وغيرها من التدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي، التي دقت ناقوس الخطر، فبعد أن أفرج عن زكرياء، مدير الشركة، تراجع عن وعده بإرجاع المبالغ إلى أصحابها، بل شرع في التلكؤ بأعذار جديدة، والبحث عن مسوغات قانونية للاستيلاء على المال، كتأسيس شركة جديدة ونقل المنخرطين إليها وغير ذلك من الحيل، لكن بعد أن تأكد منخرطون أن الأموال استخرجت من الحسابات البنكية، وأن مصيرها مجهول، شرعوا في التقدم بشكايات ضده، ليختفي عن الأنظار، قبل أن يتم إيقافه بسبب شكاية تتعلق بإصدار شيك بدون رصيد قيمته 4 ملايين درهم. وأظهرت الأبحاث الجديدة، أن شقيقيه، رغم إغلاق حسابات الشركة واعتقال مديرها، استمرا في التوصل بالأموال وقبضها بالذريعة نفسها، أي التسويق الهرمي تحت غطاء منتوجات التجميل. كما أبانت التحقيقات بأن شركاء للمتهم الرئيسي ضمنهم شقيقاه، ساهموا في عمليات النصب والاحتيال والتزوير، وأن العمليات الإجرامية انطلقت بعد أن رفع العقل عن أموال الشركة في 6 يناير 2021، إذ أن المتهم بعد ذلك، ولربح الوقت، استغل عددا من المحترفين في مجال النصب والاحتيال، بإطلاق تصريحات كاذبة مفادها أنه سيؤسس شركة جديدة، ويحول إليها المبالغ، وأن بإمكان المنخرطين الاشتغال معه من جديد واسترجاع أموالهم. ظلت الشكايات تتقاطر على المحكمة رغم انتهاء التحقيق التفصيلي مع الأشقاء الثلاثة، وضمنهم زعيم الشبكة، إذ حتى عقب انطلاق جلسات المحاكمة تواصلت الشكايات، نظرا للعدد الكبير من الضحايا الموزعين على كل أنحاء المملكة. ووجهت إلى المتهمين جنح النصب عن طريق الاستعانة بالجمهور في إصدار سندات متعلقة بشركة، بالإضافة إلى تهم أخرى وجهت إلى الزعيم ضمنها التعاطي للكوكايين وإصدار شيك بدون مؤونة. وهم المؤامرة دق بنك المغرب والنيابة العامة، ناقوس الخطر، باكرا، وكانت حينها ذمة الشركة مليئة، إذ أن تدخل بنك المغرب في إطار المهام الرقابية الموكولة إليه، جمد حسابات الشركة في 2017، بعد التحريات التي أنجزها، والتي بينت أن حساب الشركة كان يتضمن ما يناهز 240 مليون درهم، في حين أن حجم السلع المتوفرة في المخازن لا يتجاوز 20 مليون درهم، ما اعتبره مراقبو بنك المغرب دليلا على أن الشركة لا تكتفي ببيع السلع، بل بتلقي أموال من الجمهور بهدف استثمارها وتوظيفها وتمكينهم من عائدات ربحية، ما يدخل في إطار عمل مؤسسات الائتمان وشركات توظيف الأموال، الذي يتطلب الحصول على ترخيص من قبل بنك المغرب والهيأة المغربية لسوق الرساميل. ليأتي قرار النيابة العامة بتجميد حسابات الشركة، قبل اعتقال مديرها العام، وهو ما أجج غضب المنخرطين الذين اعتبروا أن الأمر يتعلق بخطة لتصفية الشركة، بعد أن حققت نجاحا وأصبحت تقلق عددا من الشركات الأجنبية التي تمارس النشاط ذاته بالمغرب. وأقنع المنخرطون أنفسهم بوهم المؤامرة، وبمحاولة القضاء على الشركة التي تأسست في أبريل 2014، وحققت، خلال 2015، رقم معاملات تجاوز 46 مليون درهم، علما أن شركات أجنبية أخرى تنشط في القطاع ذاته لم تصل إلى هذا الرقم، إلا بعد أزيد من خمس سنوات على دخولها إلى السوق المغربية. اختفاء الأموال يتابع المتهمون الرئيسيون، أي الأشقاء الثلاثة، في ملف آخر يتعلق بغسل الأموال، بالنظر إلى أن عائدات الاحتيال على جماهير المنخرطين، تصرف فيها المتهمون الثلاثة وسحبوها من الحسابات، وقاموا بتبييضها بطرقهم الخاصة، وهو الملف الذي يروج بقاعة الجلسات الخاصة بجرائم غسل الأموال، والمنتظر صدور الأحكام فيه في الجلسة المقبلة. وتحولت "لورن أند أورن كوسميتيك"، إلى قصة تختزل حيل الوصول إلى أموال الناس، بالوعود الكاذبة، وإلباس التسويق الهرمي قناع التجارة، إذ منذ البداية كانت تدخلات المؤسسات العمومية المعنية بالمراقبة تدق ناقوس الخطر، لكن حماسة المنخرطين ودفاعهم المستميت، بعد أن تعرضوا لغسل الدماغ، ضيعا عليهم الحفاظ على أموالهم. فالمتهم الرئيسي، في إحدى الجلسات أظهر أنه انطلق بـ 2000 درهم، وفي وقت وجيز تحول الرصيد إلى ملايير، بعد أن قام بالدعاية الجيدة للمشروع الذي أسقط 60 ألف ضحية من مختلف ربوع المملكة، وبناه على أوهام وثق بها الناس ودافعوا عنه من أجلها، قبل أن يدركوا أنهم سقطوا في فخ كبير نصب أمام أعينهم دون أن يروه. سقوط الزعيم في فاتح غشت الماضي، وإثر معلومات دقيقة توفرت لعناصر الشرطة القضائية، تم إيقاف المدير الهارب بالشارع، زعيم شبكة "لورن أند أورن" وأثناء إلقاء القبض عليه حجزت عناصر الأمن كمية من الكوكايين، واعترف حينها بأنه مدمن على استهلاك المخدرات الصلبة. واقتيد المتهم إلى مصلحة الفرقة الولائية للشرطة القضائية، قصد إجراء الأبحاث اللازمة معه، ليوضع رهن الحراسة النظرية. وأثناء الاستماع إليه، حاول الادعاء بأن المشتكين تجمعهم به علاقة تجارية وأنهم يتحملون الربح والخسارة، وأن الشركة تكبدت خسائر كبيرة قدرت ب 7 ملايين درهم، جراء الحجز على حساباتها، ناهيك عن دفع التهم عنه بأن الشكايات سبق للمحكمة أن بتت فيها. وحاول المتهم جاهدا نفي التهم عنه، واعتبار الضحايا تجارا دخلوا معه في شركة للاستثمار التشاركي، وأن الشركة بعد الحجز على أموالها والمدة الحبسية التي قضاها، عرفت أزمة، دون أن يبين طريقة استنزاف الأموال المودعة والتي فاقت 17 مليارا، وفي مدة قصيرة.