محام التمس منع الصحافيين وممثل الحق العام اعتبره ضربا لحق دستوري شهدت جلسات محاكمة ثمانية متورطين في قضية الاعتداءات الجنسية، التي تعرضت لها ضحايا مغربيات يشتغلن بمقاولة المليونير الفرنسي "جاك بوتيي"بطنجة، على خلفية ارتكابه جرائم خطيرة بالمغرب، تتعلق بـ "الاتجار بالبشر واغتصاب قاصر والاحتجاز"، (شهدت) نقاشات حادة وجدلا مثيرا بين هيأة الحكم والنيابة العامة من جهة، وهيأة الدفاع عن الضحايا والمتهمين، من جهة ثانية. وفترت الحركة مباشرة بعد دخول هيأة الحكم والشروع في تصفية الملفات بالمناداة على المتهمين والشهود وتجهيز البعض منها وتأخير البعض الآخر. وتوزعت أغلب الملفات المعروضة على الهيأة ذاتها على ملفات ترتبط بالسرقة الموصوفة وهتك العرض والاغتصاب والضرب والجرح بالسلاح وبدونه. عرفت جلسة، الثلاثاء الماضي، التي احتضنتها القاعة رقم 3 باستئنافية طنجة، حالة من التوتر استغرقت وقتا طويلا، أثرت على سير الجلسة، قبل أن تهدأ النفوس وتتواصل بتقديم ملتمسات، وبعدها قررت هيأة الحكم تاجيلها إلى 6 يونيو المقبل. ضرب للدستور رفض رئيس هيأة غرفة الجنايات الأولى بمحكمة الاستئناف، ملتمسا تقدم به محامي أحد المتابعين في هذا الملف، الذي طلب من الهيأة القضائية منع الصحافيين من تغطية جلسة المحاكمة واقتصار الحضور على المتهمين والدفاع، حتى لا يؤثر وجود رجال الإعلام على السير العام للمحاكمة. وعللت المحكمة رفضها ملتمس الدفاع، بأن حضور الصحافة ووسائل الإعلام في الجلسات العمومية، لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على المحاكمة العادلة أو السير العام لها، مشيرة إلى أن المحكمة من حقها فقط منع التصوير أو تسجيل ما يدور داخل القاعة، وهو قرار جاء متناغما مع رأي النيابة العامة، التي تصدت بدورها لملتمس الدفاع، معتبرة أن منع الصحافيين من حضور الجلسة يضرب حقا من الحقوق والحريات الأساسية التي ينص عليها الدستور وجميع المواثيق الدولية، سيما أن المحاكمة تجري في جلسات علنية مفتوحة في وجه العموم، مشددة على أن حرية التعبير والإعلام والحصول على المعلومات وتداولها حق أساسي للجميع. ملتمسات شهدت الجلسة أيضا، التي حضرها عدد من الجمعيات النسائية والحقوقية المحلية والوطنية، نقاشات مستفيضة حول عدد من الملتمسات والدفوعات الشكلية التي قررت هيأة الحكم ضمها إلى "الأصل"، قبل أن تقرر إرجاء القضية إلى تاريخ 6 يونيو المقبل، لبدء مناقشة الملف من حيث الموضوع. وعرفت الجلسات السابقة أيضا نقاشات حادة بين هيأة دفاع المتهمين والمطالبين بالحق المدني، ونشبت حين التمس الطرف الأول من هيأة الحكم رفض تنصيب محامين جدد لعدم أدائهم الرسم الجزافي، وعدم قبول طلب استدعاء مصرحين لم يتم استدعاؤهم بمرحلة التحقيق، وهي ملتمسات اعتبرها دفاع المشتكيات إقصاء لحقوقهن وطلباتهن المادية، مؤكدا أن القانون يعفي المصرحات من أداء الرسم الجزافي بملفات الاتجار بالبشر. تفاصيل القضية تفجرت هذه الفضيحة الجنسية، خلال ندوة صحفية عقدتها، منتصف يونيو الماضي، الجمعية المغربية لحقوق الضحايا، التي كشفت عن شكايات تقدمت بها أربع فتيات مغربيات، تعرضن لأبشع مظاهر الاستغلال والاعتداءات الجنسية من قبل المليونير الفرنسي "جاك بوتيي»، الذي يملك ثلاث شركات تابعة لمجموعة "فيلافي" المتخصصة في الاتصال الهاتفي بالزبائن، وذلك بمساعدة موظفيه الذين كانوا يعملون على اختيار شابات في وضعية هشاشة لتوظيفهن بإحدى شركاته، ويمارسون دور الوساطة لإقناعهن بممارسة الجنس مع رئيسهم، وفي حال رفضهن يكون مصيرهن الاستفزاز والضغط النفسي، قبل أن يتم الاستغناء عنهن وطردهن من العمل. وحضر الندوة ثلاث من ضحايا المليونير الفرنسي، اللواتي كشفن بكل جرأة وشجاعة عن الكيفية التي يستدرج بها المعني ضحاياه لممارسة الجنس عليهن، وكيف كان يتحرش بهن في العمل غير مبال بوضعهن الاجتماعي إن كن متزوجات أو مطلقات أو أرملات، حيث كان يرسل لهن رسائل عبر "واتساب"، ويعرض عليهن هدايا فاخرة وإغراءات متعددة، من قبيل السفر والإقامة بفرنسا، قبل أن يشرع في الاعتداء عليهن، مستغلا حاجتهن وفقرهن. وأفصح مستخدم بالشركة ذاتها، أن "جاك بوتيي" كان يبدأ خطته بالتجول داخل الشركة لاختيار ضحاياه غير آبه إن كانت الضحية محتجبة أو متزوجة، ثم يستعين بأحد المسؤولين بالشركة للحصول على هاتفها، ليقوم بعد ذلك بالاتصال بها للتحرش بها ومطالبتها بحضور حفلات بفضاءات متنوعة، قبل أن يقوم بهتك أعراضهن مقابل إغراءات متعددة، مؤكدا أن هناك عشرات الضحايا غير قادرات على الإفصاح عما يتعرضن له داخل الشركة، خوفا من الطرد وعدم التوصل بمستحقاتهن. وفي ختام الندوة، ناشدت الجمعية السلطة القضائية بإنصاف الضحايا ومعاقبة المتورطين في الأفعال الإجرامية موضوع الشكايات المقدمة للنيابة العامة، وطالبت بحماية الشهود خلال المحاكمة وبعدها، مع استحضار حماية النساء من كل أنواع العنف عند وضع الإستراتيجيات الجديدة للاستثمار. النيابة العامة تدخل على الخط بعد ندوة الحقوقيين، أمر الوكيل العام لدى استئنافية طنجة، بفتح تحقيق مفصل حول ظروف وملابسات الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها عدد من الضحايا المغاربة من قبل رجل الأعمال الفرنسي، وقرر متابعة 8 أشخاص يشتبه في تورطهم في هذه القضية، وأحالهم على قاضي التحقيق بالمحكمة نفسها لإجراء بحث تفصيلي معهم حول التهم الموجهة إليهم قبل عرضهم على أنظار غرفة الجنايات الأولى لمحاكمتهم طبقا للقانون. وبناء على استنطاق تفصيلي أجراه قاضي التحقيق مع المتهمين الثمانية، قرر القاضي الاحتفاظ بستة منهم رهن تدبير الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي "ساتفيلاج" على ذمة التحقيق، ومتابعة اثنين آخرين في حالة سراح، بعد أن تجمعت لديه قناعة بتورطهم في التهم المنسوبة إليهم، وتتعلق بـ "جريمة الاتجار في البشر والتحريض على الفساد والتحرش الجنسي وعدم التبليغ عن وقوع جناية واستعمال الوعود والهبات لحمل الغير على الإدلاء بشهادات كاذبة" وذلك كل حسب المنسوب إليه. وأمر قاضي التحقيق بإحالة الملف على غرفة الجنايات الابتدائية للبت فيه طبقا للقانون. المختار الرمشي (طنجة) ـ