الحاضر المغيب في قضية طفلة تيفلت

القضاء تجاوب مع المجتمع لجبر ضرر كبير والحاجة ملحة لتعديل القانون الجنائي لإنصاف الأطفال الضحايا يظهر أنه أسدل الستار على قضية طفلة تيفلت التي تعرضت لأبشع حالات العنف، التي قد يتصورها أي إنسان. ليس لأنها تعرضت لعملية الاغتصاب فقط. بل لأن المجتمع لم يلتفت إليها وأهملها. وانتظر الى أن تلد تلك القاصر قاصرا آخر مثلها. وهي الولادة التي نتجت عن اغتصاب واغتصاب واغتصاب، في تداول وتناوب على مرأى ومسمع من مجتمع وسلط. وهو اغتصاب ليس من قاصرين مثلها، بل من قبل رجال بكل ما تعني الكلمة من رجال من طول قامة وعضلات مفتولة، أمام أعين مجتمع ودولة لا تنامان. يصعب ألا يثار الانتباه. كما يصعب أن يكتم السر. ثم هل طفلة قاصر حامل لا تثير انتباه الناس؟ هل حقا هكذا كان؟ عبد الكبير طبيح * تحرك الشارع ثم المجتمع ثم الدولة. ولعب شعب «الفيسبوك» الدور الذي ينفع الناس هذه المرة. ونقل لكل المغاربة في جميع بلدنا الحبيب ما وقع من بشاعة. وانتفض الجميع، بل وتم تداول الحدث عبر وسائل الإعلام الأجنبية بجميع لغاته. وهي وسائل الاعلام نفسها تلك سبق لها أن وجهت التحية للفريق الوطني لكرة القدم. هل أثر المجتمع في القضاء؟ لكن هذه المرة كان العالم ينظر لنا نظرة أخرى. نظرة لوم واحتجاج. ويقول لنا أين كنتم حتى يلحق بهذه القاصر كل هذا العنف المتناوب عليها. وضع القضاء يده على القضية. لكن بعد حين. أي بعدما أصبح للقاصر قاصرا آخر خرج من بطنها بدون رضاها. بدون إذن منه. وبدون أن يأخذوا رأيه في عملية الخروج تلك. انتفض المجتمع على حكم اعتبر قاصرا، هو كذلك على جبر ضرر القاصر. واعتبر الحكم قاصرا على الرد على عنف جنسي بشع. وظهر وكأن المجتمع يريد أن يكفر على سكوته عن هذه المأساة. ليحمل القضاء كل المسؤولية. وليس فقط جزءا منها. نجح المجتمع في جعل القضاء يتحسس نبض الشارع. ووضع التساؤل : هل أثر المجتمع في القضاء؟ هل حافظ القضاء على استقلاله؟ هل رضخ القضاء للضغط ؟ الجواب بالقطع لا. القضاء تجاوب مع حاجة المجتمع لجبر ضرر كبير. الى هنا يوضع السؤال: هل انتهى مسلسل الأحداث في قضية طفلة تيفلت؟ عفوا لم ينته بعد. القاصر الذي خرج من رحم القاصر يسائلنا اليوم جميعا: مجتمعا ودولة وقضاء. بسؤال صعب. وكأنه يقول لنا جميعا وبصوت مرتفع مملوء بالغضب: و أنا لماذا نسيتموني ؟ هذا القاصر اليوم ليس له اسم أب. وليس له دخل يغطي به حاجياته الأولية. وقد لا يكون له مستقبل. مع أنه ليس مسؤولا عما وقع له. ولم يشارك ولم يساهم فيه. في خضم جلل الحدث وشغبه اختفى الطفل القاصر. وتم تغييبه مع أنه هو الحاضر والمعني والمتضرر الأول في ما حدث. فما هي وضعيته اليوم؟ ومن سيتكفل به ؟ وما هو اسم أبيه ؟ وهل سيكون له جواز سفر؟ وهل سيحمى من تنمر من أقرانه؟ وهلا يكون موضوع إقصاء عندما يكبر؟ ما ذنب القاصر ابن القاصر؟ وضعية القاصر الذي خرج من رحم قاصر تذكرنا جميعا بحكم سبق أن أصدرته هيأة مكونة من قاضية وقاضيين. في الملف الاجتماعي 1391/1620/2016، من شباب قضاتنا الذين تطمئن لهم العدالة في بلدنا. وهو الحكم الذي وضع السؤال المشروع والصحيح. وهو: ما ذنب الطفل الذي يخرج للحياة الدنيا رغما عنه، من علاقة جنسية لم يستشر فيها تمت خارج قواعد الزواج المتعارف عليها؟ قضاتنا الشباب لم يكتفوا بوضع السؤال فقط. بل تصدوا له بالجواب النابع من قواعد العدل غير المشوب بالخلل. وأصدروا حكما ناطقا بالعدل ورائعا في التعليل. غرفت الهيأة في تعليله من نبل مهمة القضاء في إثبات قواعد العدل. وخارج المتداول من بسائط التحاليل والسير غير البصير خلف الجاري به العمل. حكم أعلنت فيه الهيأة المصدرة له، في مقدمة تعليلها، أن الطفل الناتج عن عملية جنسية خارج الزواج لا ينسب لمن تسبب في حمل أمه، وبذلك اتخذوا كامل الاحتياط لعدم رجمهم بالخروج عن الدين. بل إنهم احترموا قواعد الشريعة الإسلامية وأبعدوا نسب الطفل لأبيه التي تنسل منه في علاقة خارج رباط الزوجية. ثم اقتحموا الباب المغلق منذ زمان، وهو ما قام به من أضرار. مستندين الى القانون أي المواد التي تنظم البنوة المنصوص عليها في مدونة الأسرة. معتمدين على نص الدستور وعلى اتفاقية حقوق الطفل الذي يعتبر المغرب من أول الدول التي صادقت عليها، ومحصنين رأيهم بالأحاديث النبوية، ومنتهين الى إعمال القواعد العادية في جبر الضرر الناتج عن الخطأ التي ينظمها ظهير الالتزامات والعقود. وبما أن العلاقة الجنسية خارج الزواج التي أدت الى خروج الطفل إلى الحياة الدنيا، اعتبرها القانون والمجتمع بأنها خطأ ديني وخطأ جنائي. فأسس السادة القضاة لحماية حقوق ذلك الطفل من باب ثوابت القواعد القانونية للمسؤولية المدنية المبنية تحميل من يرتكب خطأ مسؤولية تعويضه. وقضوا على المتسبب في الحمل بتعويض خطئه للمتضرر منه. ألا وهو الطفل. هي بداية ولا ككل البدايات. وإشراقة ولا ككل الإشراقات. صفق لها كل مدافع عن حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقوق الطفل كيفما كان. لم تقصد الهيأة، حسب رأيي، أن تعوض الطفل فقط. بل كان قصدها أكبر وأسمى وأبعد. لأنه حمل كذلك وفي الوقت نفسه إنذارا توعد كل من يعتقد أنه يمكنه أن يتسبب في حمل امرأة ويكتفى في حقه بعقوبة موقوفة التنفيذ. بل قال له ذلك الحكم ستتحمل كذلك عقوبة مالية تثقل كاهلك وتحول بينك وبين تكرار فعلتك من امرأة أخرى. إعدام قرار جريء هذا الحكم العادل قانونا والعادل مجتمعيا، والعادل إنسانيا، لم يكتب له طول العمر ولا دوام الاستمرار. سيخرج له قرار من محكمة استئناف في الملف 246و273و422/1613/2017 وسيلغيه ويعدمه. وسيسمي هذا القرار ذلك الطفل بطفل الزنا، الذي لا يستحق أي تعويض. ليخرجه من المجتمع وليضع على جبهته وشما خبيثا طول عمره لن يزول إلا بزوال روحه. مع أنه لم يرتكب أي خطأ بمفهوم القانون. ولم يرتكب أي ذنب بمفهوم الدين. فبأي حق أو عدل أو إنصاف يعاقب طفل على فعل ليس فقط لم يرتكبه، بل لا علم له به. لأنه لم يخلق بعد عندما ارتطمت الساق بالساق. الطفل القاصر الذي خرج من رحم طفلة تيفلت القاصر، ينظر إلينا اليوم جميعا مجتمعا ودولة وقضاء. ويقول لنا في صمت لا يخلو من غضب: وأنا ما هو الذنب الذي ارتكبته حتى أبقى بدون اسم أب أحمله معي في عقد ازديادي. أو أحمله معي إلى المدرسة. أو أحمله معي إلى العمل أو تحمله معي زوجتي. ومن ينصفني في هذه الحياة التي لم أخترها. ولماذا يعاقبني مجتمعكم على فعل لم أساهم في ارتكابه. الجواب عن هذا السؤال المحرج مجتمعا والمحرج إنسانيا ينتظر تعديلا للقانون الجنائي، من أجل أن يتحمل كل من يتسبب في حمل خارج علاقة الزواج «إيراد عمريا» لفائدة المولود يغطي مصاريفه في إطار قواعد القانون المدني، حتى يفكر كثيرا قبل أن يتسبب في حمل امرأة أخرى. للحديث بقية. * محام بهيأة البيضاء

الحاضر المغيب في قضية طفلة تيفلت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

احذروا‭ ‬مضاد‭ ‬التعرق

الفساتين‭ ‬المطبعة‭ ‬بالورود‭ ‬لإطلالة‭ ‬صيفية

مقالات ذات صلة