فرار السجناء… تراخ أم تواطؤ؟

حالات عديدة لهروب معتقلين بقيت دون جواب بخصوص الجهة المسؤولة يعيد تكرار عمليات الهروب من السجون أو أماكن الاعتقال الاحتياطي، أو أثناء المثول أمام المحاكم، إلى الذاكرة الفيلم الأمريكي «الهروب الكبير»، الذي أنتج خلال 1963.ويرى متتبعون ومهتمون بالشأن القانوني، أن تكرار عمليات الهروب، يسائل المنظومة الأمنية والقضائية، وإجراءات نقل السجناء، بالإضافة إلى مسؤولية الحراس، إذ يطرح السؤال، هل الفرار مرتبط دوما بالتراخي في المراقبة والحراسة، أم بتواطؤ مدفوع الأجر؟ ورغم ذلك، ظلت العديد من حوادث فرار السجناء بدون جواب شاف، يحدد ماذا وقع وكيف وقع. إنجاز: محمد العوال (مراكش) في نهاية 2007، استفاق الرأي العام الوطني والدولي على هروب محير لواحد من سجناء الحق العام، ويتعلق الأمر ببارون المخدرات الملقب بالنيني، إذ أعلنت حالة استنفار قصوى، وجرى توقيف ستة من حراس السجن، ارتباطا بهذا الحادث. القصة ابتدأت بعد اعتقال النيني، خلال 2003، وتم إيداعه سجن القنيطرة، وبعد جلسات محاكمته تمت إدانته من أجل المنسوب إليه، بثماني سنوات سجنا نافذا. لكن خلال نهاية 2007، استفاق الجميع على فرار النيني، وتمكنه من الوصول إلى مدينة سبتة المحتلة، حيث تم إيقافه هناك من طرف الأمن الإسباني وتسليمه للمغرب. لكن العديد من الأسئلة ظلت معلقة حول حادث فرار النيني، الذي كان يعيش حياة الرفاهية بالسجن ويتمتع بمعاملة استثنائية، لكن في غفلة من الجميع استطاع الهروب. ورغم مرور حوالي 15 سنة، على هذا الفرار، مازال لغز هروب النيني وطريقة تنفيذه يحيران العديد من المتتبعين. هروب سلفيين وسيكون سجن القنيطرة، مسرحا مرة أخرى، لعملية هروب، إلا أن السلطات تمكنت من إحباطها، ويتعلق الأمر بمحاولة فرار عشرة معتقلين سلفيين، إذ استعمل السجناء، في تنفيذ محاولة الفرار، مجاري الصرف الصحي، للوصول إلى باحة السجن، قبل أن يحاولوا تسلق الحائط باستعمال حبال، لكن تم إفشال العملية. هذا الحادث كشف أن منفذي العملية، كانوا على دراية تامة، بهندسة السجن، ورسموا طريق الوصول إلى باحته، لكن كاميرات المراقبة التي رصدتهم بالقرب من الحائط الإسمنتي بباحة السجن، أفشلت محاولتهم للهروب. وخلال أبريل من 2008، نفذ تسعة معتقلين سلفيين، عملية فرار وصفت حينها بالهوليودية، من سجن القنيطرة، عبر نفق أرضي أوصلهم إلى خارج الأسوار. وكان الفارون يعيشون في غرفتين متلاصقتين في السجن، كما أن الغرفتين كانتا قريبتين من السكن الإداري لمدير المؤسسة السجنية، واستطاعوا أن يحفروا نفقا يصل علوه إلى مترين وطوله يقارب 20 مترا.. عملية الفرار هذه، خلفت وراءها العديد من الأسئلة المحيرة، على غرار حالة فرار النيني، إذ أن السؤال الذي يطرح هو كم استغرقت عملية الحفر، وأين تم التخلص من الأتربة وكذا طريقة الحصول على أدوات الحفر. وأعلنت السلطات حينها، عن حالة استنفار قصوى، وتجندت مختلف المصالح الأمنية، للبحث عن الفارين الذين تم إيقافهم، وإخضاعهم للمساءلة القانونية. احتياطات غير كافية اليوم، مازالت عمليات فرار السجناء، تطرح نفسها بحدة أكثر من أي وقت مضى، فإذا كانت إدارة السجون اتخذت الاحتياطات اللازمة والإجراءات المشددة، لمنع تكرار عمليات الهروب من داخل السجون، فإن هروب السجناء يعيد نفسه، لكن بصورة مختلفة. فقد تمكن أخيرا سجينان يقضيان عقوبتهما السجنية بسجن الأوداية بمراكش، من الفرار من مستشفى ابن النفيس للأمراض العقلية، التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش. وأعلنت السلطات الأمنية بمراكش، حالة استنفار قصوى لإيقاف هذين السجينين، اللذين يبلغان من العمر 18 سنة و22 على التوالي. وقررت إدارة السجن نقلهما إلى مستشفى ابن النفيس للأمراض العقلية التابعة للمستشفى الجامعي محمد السادس، بيد أنهما تمكنا من الفرار في غفلة من الجميع. هذا الحادث، ليس الأول من نوعه، فخلال يوليوز الماضي، تمكن خمسة سجناء من الفرار من المستشفى نفسه، بعدما تم نقلهم من طرف إدارة سجن الوداية. واستغربت مصادر “الصباح”، لأسباب تكرار عمليات الفرار ، إذ تمكن سبعة سجناء من الفرار من هذا المستشفى في أقل من سنة. حالة استنفار تأخذ عمليات الهروب، صورا متعددة، فقبل أسابيع، تمكن سجين من الفرار أثناء عملية إيداعه سجن سيدي موسى بالجديدة، بعدما قررت النيابة العامة، متابعته في حالة اعتقال، وقررت إيداعه السجن المحلي، بعد انتهاء مسطرة الاستنطاق، إذ تم نقل السجين من طرف عناصر الدرك الملكي، إلى السجن، وأثناء القيام بإجراءات تسليمه لحراس السجن، تمكن من الفرار أمام بوابة السجن، وسط ذهول عناصر الدرك الملكي وحراس السجن. وخلف الحادث حالة استنفار قصوى، إذ تحركت مختلف المراكز الترابية للدرك الملكي، لإيقاف السجين الفار، المتحدر من هشتوكة بإقليم الجديدة، والذي اعتقل على خلفية جنحة السرقة. ويستمر مسلسل وطرق وأساليب فرار السجناء، وهذه المرة من داخل محكمة الاستئناف بمراكش، إذ مثل متهمان أمام غرفة الجنايات الاستئنافية، بعد أن أدينا ابتدائيا بما مجموعه 22 سنة سجنا نافذا (أحدهما 12 سنة والآخر عشر سنوات)، لمتابعتهما من أجل جناية السرقة الموصوفة وتكوين عصابة إجرامية والتهديد بالسلاح الأبيض مع حالة العود. وحاول المتهان الفرار من الباب الخلفي للمحكمة، الخاص بدخول سيارات نقل السجناء وكذا سيارات الموظفين والعاملين بالمحكمة، إذ أطلقا ساقيهما للريح، قبل أن يتم إبطال محاولة فرارهما، من طرف عناصر الدرك الملكي المكلفة بنقل السجناء إلى سجن الأوداية. وكشفت مصادر مطلعة ل «الصباح»، أن السجينين تم استقدامهما من سجن الأوداية على متن حافلة خاصة بالسجناء تحت حراسة الدرك الملكي، مصفدين مع بعضهما من أجل حضور جلسة محاكمتهما الإستئنافية، وبعد انتهاء جلسة محاكمتهما التي تم تأجيلها، تم اقتيادهما من جديد نحو الحافلة لإعادتهما إلى السجن، بيد أن أحد المعتقلين تمكن من التخلص من الأصفاد، ولاذ بالفرار بمعية رفيقه، قبل إحباط محاولة هروبها. العقوبة مضاعفة أكد حسن الريبوح، محام بهيأة آسفي، أن المندوبية العامة لإدارة السجون، اتخذت منذ مدة العديد من الإجراءات والتدابير، من أجل الحد من ظاهرة فرار السجناء، كما عززت الإجراءات الأمنية، مباشرة بعد تسجيل حوادث فرار للسجناء، حيث عمدت إلى تقليص مدة النزهة المخصصة للسجناء، في حين شددت على عمليات تفتيش الزوار، وتقديم موعد إغلاق الزنازين. كما تجب الإشارة إلى بناء العديد من المؤسسات السجنية خلال العقد الأخير، ومنها سجن العيون، الذي تم تدشينه قبل أقل من أسبوع، بمواصفات ومعايير تستحضر مواجهة فرار محتمل، سواء عن طريق إحداث ثقوب، أو أنفاق، أو ما شابه ذلك. بالمقابل، أفرد المشرع المغربي، من خلال القانون الجنائي، عقوبات سجنية تصل إلى خمس سنوات، لفرار معتقل، بمقتضى أمر قضائي أو حكم من أجل جنحة أو جناية، إذا ما استعمل العنف ضد الأشخاص أو التهديد أو الكسر أو ثقب السجن، حسب منطوق الفقرة الثانية من الفصل 309 من القانون الجنائي. وتطبق العقوبة نفسها في أقصاها في حق المتواطئين مع الفارين عند حدوث محاولة للفرار، ولو بغير علم السجين، بل حتى ولو لم يقع الهروب فعلا، أو أن المساعدة على الهروب وقعت بعمل سلبي متعمد، وفقا للفصل 612 من القانون الجنائي، الذي يضاعف العقوبة إذا كانت مساعدة الهاربين مقرونة بالتزود بالسلاح. وأضاف الريبوح، أن مرتكب هذه الجرائم، عقابه الحرمان من مباشرة جميع الحقوق أو الخدمات العامة، لمدة لا تتجاوز 10 سنوات. وبخصوص ارتكاب جنحة الفرار بتواطؤ أو رشوة، للمكلفين بحراسة مراكز الأمن أو المؤسسات السجنية وغيرها، فقد أكد الأستاذ الريبوح، أن العقوبة السجنية تتراوح ما بين شهر وسنتين، طبقا للفصل 311 من القانون الجنائي. كما ينص الفصل 313 من القانون الجنائي، على عقوبة حبسية، من شهر إلى ستة أشهر وأداء غرامة 1200 درهم في حق الأشخاص المذكورين في الفصل 311، حتى عند عدم تحقق محاولة الهروب، إضافة إلى عقوبة من 3 أشهر إلى سنة حبسا في حالة إدخال ممنوعات إلى السجن، في حين أن هذه العقوبة تتراوح ما بين شهر و3 أشهر في مواجهة كل من منح، أو حاول منح المسجون مبالغ مالية أو رسائل أو أشياء، من أي نوع مخالف لنظم السجون. ليسوا حمقى! تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، سيما "فيسبوك"، مع ظاهرة هروب السجناء.. وهكذا علقت آمال على فرار سجناء من مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، بالقول، "القليلون هم الذين يستفيدون من نقلهم إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية.. المفروض أن يتوفر المرفق على فضاء خاص بهذه الفئة من السجناء، اللهم إلا إذا كان الهدف هو تسهيل هروبهم، تقول آمال. أما عيساوي، فقد كتب "يبدو أن السجينين كانا ذكيين حتى يفرا… أما المريض النفسي الحقيقي فهم الحراس…. عقوبات شديدة تنتظرهم … حينما يكون هناك الفلتان الأمني أو فوضى عارمة … نتيجة السياسة المتبعة في ما يعرف يكثرة الحريات و"الفشوش" نقول مريضا نفسيا كلا ثم ألف كلا، ولذلك يجب التعامل بالصرامة والعقوبة والأشغال الشاقة حتى يتضح أن المرض النفسي اختفى وبلا رجعة… وكتبت لمياء، "مستشفى الأمراض العقلية يعني أن هناك مرضى نفسيين، ولكن الحقيقة أنهم ليسوا حمقى بعدما قرروا الهرب من المستشفى. وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع الظاهرة، وهكذا كتب أحدهم "يفر السجين من السجن الضيق ليعانق السجن الكبير والرحب وحاشا أن يكون قصدي الوطن، لكن الخوف الذي سيضايقه أينما حل وارتحل أنه لا يمكن له ممارسة أي نشاط عن رضاه ولا يحل على الادارات ولا يتنقل بحرية ولا ينام باطمئنان وراحة البال وقد يبقى على هذا الحال لسنين حتى يتم تصفيده وإرجاعه إلى السجن، خلاصة القول قد يكون هذا الفار من السجن مريضا نفسيا ولو كان سليم العقل لما قام بهذه الحماقة، لكن السؤال الذي لا يوجد له جواب، كيف لأحمق أن يميز بين الاعتقال والحرية؟ أما علياء، فحكت عن قصة شاب ارتكب جريمة قتل وتم إيداعه بمستشفى الأمراض العقلية، وكتبت "كان هناك شاب يقطن في الحي الذي أقطنه، وهو ابن الجيران وقد ارتكب جريمة قتل في حق صديق حبيبته السابقة، وبعد ذلك سمعنا أنه قضى سنوات قليلة في مستشفى "الحماق" ثم بعدها أصبحنا نراه يتجول في الحي رفقة زوجته الجديدة، بعد أن أقامت له عائلته عرسا فخما، هذا هو زماننا للأسف، تختم علياء.

فرار السجناء… تراخ أم تواطؤ؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

برلماني الناظور أمام جنايات فاس

مــلامــح الفــن الملــتـزم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات