لم يتردد في القول لبعض أعضاء مجموعة ناس الغيوان "ضايرين بيا غير الشفارة" وصلت علاقة الصراحة التي كانت تجمع الملك الراحل الحسن الثاني بالمجموعات الغنائية، في السبعينات والثمانينات حد كشف أسرار المحيط الملكي، إذ قال لبعض أعضاء مجموعة ناس الغيوان "أنا راه ضايرين بيا غير الشفارة «، وهي الرسالة التي أراد الملك أن يبعث بها إلى عموم المغاربة عندما طلب من المجموعة المذكورة تأدية قصيدة قديمة من فن الملحون كتبها التهامي المدغري، تحت عنوان "النحلة شامة ". وتحكي القصيدة تفاصيل حوار بين سلطان وملكة النحل ضمنها الكاتب وصفا جماليا ليوميات النحلة وإعجاب السلطان بجنودها تضمنت خصالا غير تلك التي قالها الملك عن محيطه، " لا حيلة، لاغش، لا منكر. ما عندي وزير طماع يداري"، لكن لم تتأت للقصيدة أن تدخل الغيوان إلا سنة 2007، بعد بحث قام به رشيد باطما فكانت تكملة لمسار غنائي طبعه حس احتجاجي. وكشف سعيد هبال، صاحب كتاب "أصدقاء الملك"، أنه ذات مرة غنت المجموعة أمام الملك الراحل بعض أغانيها الشهيرة، ولما انتهى الحفل، سأل بعضهم قائلا: "صافي تمتعتو، وتهلاو فيكم..؟"، فأجابه عمر السيد والراحل العربي باطما: «نعام سيدي تهلاو فينا.."، فسألهما الحسن الثاني مرة ثانية عن المبلغ الذي تقاضته المجموعة، فردا: "عطاونا الخير والبركة.."، لكنه ألح في معرفة المبلغ، فأجابه أحدهما بأنهم تقاضوا 8 آلاف درهم. اندهش الملك من هزالة المبلغ، وضرب بيديه على فخذيه للتعبير عن غضبه، قائلا "أويلي هاذ 8 آلاف درهم ديالاش.. واش 8 آلاف درهم للواحد..؟ فرد عليه أحدهم « لا يا مولاي 8 آلاف درهم للمجموعة بأكملها»، ليقول الحسن الثاني «أنا راه ضايرين بيا غير الشفارة هنا"، في إشارة إلى أن من أوكل إليهم أعطيات الفنانين، اقتطعوا منها لأنفسهم. وكذلك كان الحال في علاقة الملك مع مجموعة جيل جيلالة، التي استدعاها إلى قصره في أعقاب محاولة الانقلاب عليه، في غشت 1972. وتكلف الراحلان عبد القادر الراشيدي وأحمد البيضاوي، بإخبار جيل جيلالة بأن الملك أمر بأن تبقى المجموعة بعد سهرة عمومية في الرباط إلى حين ملاقاته، لكن الخبر لم يكن مفرحا بالنسبة لأعضاء الفرقة، الذين تملك بعضهم الخوف أن يكون في الأمر غضبة ملكية من حمولات أغانيهم، خاصة أن ظرفية بداية السبعينات كانت معقدة جدا. وفي اليوم الموالي، أتى من أخذهم إلى القصر، وهناك وجدوا عددا كبيرا من الفنانين المغاربة مجتمعين في قاعة استقبال كبار الضيوف، وجزء منها محاط بزجاج شفاف، جلس الملك والأمير مولاي عبد الله، وبعض رجال الدولة في ذلك الحين، يخوضون معه في حوار بدا فيها الملك جادا بملامح حادة لا توحي بأنه يستعد لسماع أغان. خيم الصمت بين الفنانين لم يكسره إلا خروج الحسن الثاني، سائلا عن جيل جيلالة، فقيل له إنهم حضروا، فطلب حضورهم أمامه، وبمجرد أن ألقى عليهم أول نظرة، ابتسم و أبدى أعجبابه بلباسهم، الذي حيك بطريقة تقليدية، تعكس فنون الخياطة المراكشية، وقال لهم «لقد تابعكم أهل الدار بالأمس عبر التلفزة، وأنا لم أتمكن من رؤية أدائكم، فهلا أديتم الأغاني التي قدمتموها بالأمس، ورغم أن الخوف كان ما يزال جاثما على نفوسهم، إلا أن الحسن الثاني جلس على الأرض يتأمل كلمات قصيدة «الكلام المرصع»، التي لم تكن كلماتها أقل حدة من أغنية ناس الغيوان، خاصة في لازمة "يا بنادم، يا بني ادام، راه مولاك حسيب، نقص من التخريب". ياسين قُطيب