قانون المجلس وقانون اللجنة المؤقتة المقترح لهما موضوعهما الخاص ولا يتعلقان بسن قانون جديد (2/2) نشر الأستاذ محمد الأعرج، بصفته وزيرا سابقا للثقافة والاتصال وأستاذا جامعيا، مقالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخيرا، تحت عنوان "قراءة دستورية وقانونية في مشروع القانون رقم 15.23 مشروع قانون اللجنة المؤقتة تعطيل العمل بالشرعية الدستورية وخرق للمشروعية القانونية". ومن خلال مراجعة أولية لما تضمنه هذا المقال، الذي اعتبره صاحبه قراءة دستورية وقانونية، يتضح أن الأستاذ الوزير يعتبر من خلال ما أسماه القراءة المتأنية لمواد مشروع القانون، أن هذا المشروع يعطل الشرعية الدستورية ويطرح سؤال المشروعية القانونية، مثيرا بشأنه عدة ملاحظات على مستوى منهجية ومسطرة إعداده، وملاحظات على مستوى مضمونه. رابعا: بشأن الإخلال بقواعد التعامل مع القوانين السابقة والحالية إن هذه الملاحظة تثير الاستغراب، وهي صادرة عن برلماني متمرس، خبر العمل التشريعي، وهو يعلم علم اليقين، أن الأمر يتعلق بإجراءات انتقالية واستثنائية ومؤقتة، تستلزم نصا خاصا مادامت تتعلق بسن قواعد خاصة ومؤقتة، وأن الإحالة على قانون المجلس تمت الإشارة إليها من أجل تخويل اللجنة حق ممارسة مهام المجلس، كما هي محددة في قانونه، وبالتالي فإن أي تشكيك في التقنية التشريعية المتبعة والمتداولة في النظام القانوني المغربي، وفي أنظمة أخرى لا مبرر له، ولا أساس له لا منطقا ولا قانونا، فضلا عن أن المشرع له كامل الصلاحية في اختيار أنسب الطرق المحققة للهدف المتوخى، وثمة حالات مماثلة تم خلالها إقرار المنهجية نفسها، كما هو الشأن بالنسبة لهيأة أطباء الأسنان، حينما تم حل المجلس الأعلى والمجلس الوطني لأطباء الأسنان وتعيين لجنة خاصة لممارسة مهام المجلسين إلى أن تم إقرار قانون جديد وهيكلة جديدة للهيأة، تم في ضوئها تنظيم انتخابات مجلس وطني ومجالس جهوية. وبالتالي، فإنه ليس ثمة أي إخلال بقواعد التعامل مع القوانين السابقة والسارية المفعول، لسبب واحد هو أن كلا من قانون المجلس وقانون اللجنة المؤقتة المقترح، له موضوعه الخاص، وأن الأمر لا يتعلق، كما جاء في المقال، بسن قانون جديد، بقدر ما يتعلق الأمر بإقرار مقتضيات ذات طبيعة انتقالية ومؤقتة ينبغي أن يكون لها إطارها التشريعي الخاص، وليست هناك أية قواعد دستورية تم خرقها في هذا الإطار، بل لا توجد هذه القواعد أصلا، إذ للمشرع كامل السلطة التقديرية في اختيار الطريقة الأنسب لإقرار المقتضيات التي يراها محققة للأهداف التي يتوخاها. خامسا: بشأن الإخلال بقواعد ومنهجية صياغة النصوص التشريعية يعترض صاحب المقال على المشروع بدعوى عدم تقيده بقواعد الصياغة القانونية، التي يجب في نظره أن تكون خالية من اللبس وقابلة للفهم، وهو ادعاء عار من الصحة، وكلام مرسل لا دليل عليه، إذ يعترض بناء على ذلك، على استعمال ما سماه عبارات عرضية في العديد من المواد، دون أن يقدم على ذلك مثالا واحدا من أجل مناقشته والتثبت منه. وأما اقتراحه استعمال عبارة "بصرف النظر" للربط بين قانون المجلس ومشروع قانون اللجنة المؤقتة، فإنه اقتراح لا سياق له، ولا ضرورة تستلزمه، مادام الأمر يتعلق بإقرار مقتضيات خاصة واستثنائية تروم تمكين لجنة مؤقتة خاصة من ممارسة مهام المجلس خلال فترة وجيزة محددة. وقد تم استعمال عبارة "استثناء من أحكام القانون رقم 90.13 وهي عبارة كافية للتدليل على الطابع الاستثنائي للإجراء المتخذ". سادسا: في شأن الإخلال بالأهداف المتوخاة إن وجه الاعتراض لدى صاحب المقال الرامي إلى القول بوجوب تحديد أهداف الإجراء التشريعي بدقة وتحديد الخيارات التي يمكن بلوغها، والاكتفاء بنسخ مقتضى قانوني ساري المفعول بغية إلغاء قاعدة قانونية معمول بها، بدعوى أنها تطرح بعض الصعوبات، وبناء عليه، فهو يعتبر المشروع المقترح لم يأخذ بهذه المنهجية، هو اعتراض فيه كثير من المغالطة والتسرع في إصدار الأحكام. إن الإشارة إلى الأهداف المتوخاة من أي نص تشريعي هي مكنة تبقى للمشرع، حسب كل حالة على حدة، حق استعمالها وقتما كان ذلك ضروريا ولازما، وليست قاعدة عامة ومطلقة ولا متواترة في جميع النصوص. إن تحديد الأهداف المتوخاة من أي قانون يريد المشرع الإشارة إليها، عادة ما يتم التنصيص عليها عندما يتعلق الأمر بتشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم، وعادة ما يكون ذلك عن طريق تخصيص باب خاص في النص يشكل تمهيدا أو مدخلا للقانون المراد سنه، في شكل أحكام عامة يستعرض من خلالها الأهداف والمضامين العامة للنص، التي يتم استعراض تفاصيلها ومقتضياتها في المواد اللاحقة من النص ضمن أبواب محددة تعكس تسلسلا منطقيا في البناء الهندسي للنص، ومثال ذلك، القانون رقم 88.13، المتعلق بالصحافة والنشر، الذي نص على هذه الأحكام العامة المحددة للأهداف المتوخاة من القانون ضمن الباب التمهيدي للقانون، ومشروع القانون المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لفترة محددة ليس القصد منه سن تشريع جديد بقدر ما هو إقرار آلية قانونية لممارسة مهام المجلس الوطني للصحافة وفق نفس التشريع المتعلق بالمجلس بالإضافة إلى المهام الأخرى المسندة لها فضلا عن كون الأهداف المتوخاة من هذه اللجنة قد تمت الإشارة إليها في مذكرة التقديم المرفقة بالمشروع من جهة، وفي المادتين الثالثة والرابعة من مشروع القانون المقترح. وهو الأمر الذي لم يلتفت إليه صاحب المقال نتيجة التسرع في إصدار أحكام جزائية ومرسلة دون تمحيص أو تدليل. سابعا: في شأن القول بأن المشروع تعطيل للعمل بالشرعية الدستورية إن صاحب المقال، دون سند علمي وجيه، اعتبر أن مشروع القانون تعطيل للشرعية الدستورية، أي تعطيلا وفق ما قال، لأحكام الدستور خاصة الفصل 28 منه، والباب الثاني منه، المتعلق بالحقوق والحريات، وبناء عليه، يعتبر أن هذا التوجه يشكل منهجية غير دستورية وغير مطابقة لأحكام الدستور، بعلة أن هذا المشروع يوقف العمل بأحكام الفصل 28 من الدستور الذي ينص على الاستقلالية والديمقراطية، وأنه يركز السلطة في يد السلطة التنفيذية عوض الإعلان عن انتخابات ديمقراطية، وهو ما يترتب عنه اعتداء على الحقوق والحريات المضمونة بموجب نص دستوري. وفي سياق هذا الحكم يعتبر صاحب المقال أن تعطيل الدستور يأخذ إحدى صورتين، الصورة الأولى: ترك أحكام الدستور وإهمالها دون تنفيذ، والثانية: تنفيذ هذه الأحكام بشكل مختلف ومغاير تماما لمضمونها الفعلي الوارد في الوثيقة الدستورية. ويعتبر أن مشروع القانون يندرج ضمن الصورة الثانية، لما فيه من إخلال وعدم الأخذ بالاستقلالية والديمقراطية، وهو بذلك تعطيل لأحكام الفصل 28 من الدستور. والحق أن هذه القراءة التقديمية لمشروع القانون، وهو نص لا يزال في طور الدراسة والمناقشة، فيه كثير من الغلو والتعسف في قراءة نصوص الدستور وإعمال آلياته. إن قراءة صاحب المقال لهذا المشروع هي قراءة سياسية يبحث لها عن غطاء قانوني، وأخطر ما في ذلك هو التوظيف السياسي لمبادئ دستورية من أجل ترسيخ الاقتناع لدى القارئ وإيهامه بأن مشروع القانون اعتداء على الدستور وعلى ما تتضمنه أحكامه من حقوق وحريات. والحق، من منطلق الحجة القانونية المستندة إلى أحكام الدستور نفسه، أن ما ذهب إليه صاحب المقال ليس قراءة متأنية، ولا قراءة تَمتُ إلى القراءة العلمية بصلة، لاعتبار وحيد أن ثمة واقعة قانونية قائمة لابد لها من حلول قانونية يجب لزاما أن تكون مطابقة للدستور، ولا مجال للمزايدة في ذلك، ونحن بين خيارين: إما إصدار قانون آخر من أجل تمديد مدة انتداب المجلس مرة ثانية لمدة إضافية، وإما إقرار آلية مؤسساتية تقوم مقام الجهاز التداولي للمجلس من أجل تسوية وضعية المجلس، وتجاوز كل العراقيل التي حالت دون تنظيم انتخابات أعضائه، ومراجعة المقتضيات المعرقلة لذلك. وقد تم اختيار الحل الثاني لمعالجة الأسباب، التي حالت دون تنظيم الانتخابات في إبانها، وفق آلية مستقلة، نواتها الصلبة أعضاء المجلس نفسه، سواء تعلق الأمر بالرئيس أو نائبه أو رؤساء اللجان أو القاضي المنتدب، من قبل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أو ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وكل هؤلاء لا يمكن الادعاء في أي حال من الأحوال بأن تعيينهم ضمن اللجنة المؤقتة إخلال بمبدأ التنظيم الذاتي القائم على الاستقلالية والأساس الديمقراطي. أما بخصوص الخبراء المعينين من قبل رئيس الحكومة وعددهم 3 أعضاء، ففضلا عن صفتهم خبراء وليسوا ممثلين للسلطة التنفيذية أصلا، فإن مشاركتهم ضمن أعضاء اللجنة المؤقتة، لا ينبغي أن يفهم منه على أنه سطو أو اعتداء على الحقوق والحريات أو إخلال بالفصل 28، المتعلق بمبدأ التنظيم الذاتي لسببين اثنين: أولهما: الطبيعة المؤقتة للجنة من أجل إنجاز مهام محددة، عجز المجلس عن إنجازها في وضعيته السابقة، وبالتالي فوجود خبراء في اللجنة من المتخصصين في مجال الصحافة والنشر والإعلام، لا يمكن إلا أن تكون له قيمة مضافة، بالنظر لما يتصفون به من تجرد وحياد في ممارسة عملهم ضمن أعضاء المجلس. ثانيهما: إن ممثل السلطة الحكومية المكلف بالتواصل، أي الحكومة بصيغة أخرى، إنما يحضر أشغال اللجنة المؤقتة بصفة استشارية كما نصت على ذلك مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 6، من المشروع، فكيف يمكن الادعاء بأن مشروع القانون تعطيل للشرعية الدستورية؟ أليس إحداث آلية مؤقتة من أجل ضمان استمرارية عمل المجلس بصفته مرفقا عموميا، هو جوهر الالتزام بالشرعية الدستورية لتفادي التعطيل الفعلي الذي يوجد عليه المجلس حاليا، نتيجة تعذر تنظيم انتخابات أعضائه؟ وماذا سنقول بشأن عدد من المؤسسات التي بقيت دون تجديد أعضائها جراء عدم التمكن من القيام بذلك؟ بالنظر للظرفية التي كانت تعيشها البلاد خلال فترة جائحة "كوفيد 19" أليس من الشرعية الدستورية إيجاد حل عملي وواقعي لضمان عمل المؤسسة وتأمين استمرارية المرفق الذي تسهر على تدبيره بتكليف صريح من قبل المشرع؟ ثم متى كان اتخاذ مقتضى تشريعي، مطابق للدستور، من أجل إيجاد حل لواقعة قانونية متعثرة، وفق ضوابط محددة، ولمدة محددة، ولغاية محددة، اعتداء على الشرعية الدستورية وتعطيلا لهذه الشرعية؟ ألا تنص أحكام الدستور في فصله 70 على آلية يمكن للمشرع بموجبها أن يأذن، بموجب قانون، للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير تدخل في اختصاص المشرع أصلا؟ إن تعطيل الشرعية الدستورية، هو عدم اتخاذ أي إجراء يضمن استمرارية عمل المؤسسات واستمرارية المرافق العمومية، التي تسهر على تدبيرها. ولذلك، لا نعتقد بأن مشروع القانون المقترح فيه تعطيل للشرعية الدستورية، بل هو اجراء تشريعي يقدم حلا لواقعة قانونية قائمة، من أجل تأمين استمرارية عمل ومهام المجلس، وفق ضوابط محددة، لمدة مؤقتة. وبالتالي، فالإجراء القانوني المتخذ سليم قانونا وواقعا. ثامنا: ادعاء خرق المشروعية القانونية لقد اعتبر صاحب المقال مشروع القانون خرقا للمشروعية القانونية، أي تعطيل للنص التشريعي، استنادا إلى العبارة الواردة في مستهل المادة الأولى من مشروع القانون التي جاءت كما يلي: "استثناء من أحكام القانون المتعلق بالمجلس"، وهذا الاعتبار لا يستقيم من زاويتين. الزاوية الأولى: أن الأمر لا يتعلق بأي تعطيل للنص التشريعي، أو خرق للمشروعية القانونية، كما يدعي صاحب المقال، الأستاذ الوزير، ما دام المشرع هو الذي أقر القانون رقم 90.13، وهو نفسه الذي ترجع له صلاحية البت بالموافقة أو بالرفض على مشروع القانون المقترح، بعدما يدخل عليه ما يراه من تعديلات عند الاقتضاء، وبالتالي، فإن ما قام به المشرع في حال الموافقة على المشروع هو تأمين استمرارية العمل بالقانون 90.13، وليس تعطيله، ويمكن الرجوع من أجل ذلك إلى أحكام المادة 3 من المشروع المعروض على البرلمان حاليا. وإضافة إلى ذلك، فإن عبارة الاستثناء الواردة في مستهل المادة الأولى، إنما هي من أجل التأكيد على الطابع الاستثنائي لآلية اللجنة المؤقتة، مقارنة بما هو منصوص عليه في القانون 90.13، لا سيما في ما يخص إسناد الاختصاص في ممارسة مهام المجلس إلى هذه اللجنة، وهو ما يبرر التنصيص عليها صراحة في النص، ضمانا لتناسق الأحكام ومضامين النصوص بين القانون السابق والقانون اللاحق، علما أن القانونين لهما المكانة نفسها في سلم الهرم القانوني ضمن المنظومة القانونية الوطنية، وأن الشرط اللازم الواجب احترامه والتقيد به، هو في الأساس انسجام المقتضيات وعدم تعارضها، من أجل تأمين سلامة تطبيقها، وهو أمر تمت مراعاته في صياغة النص وإقرار مقتضياته، وكل كلام عن التعطيل وخرق المشروعية، هو كلام باطل من أساسه، ولا يستقيم بأي حال من الأحوال، مادام نص المشروع نصا تشريعيا، وما دام القانون الحالي رقم 90.13 لم يتم إيقاف تنفيذ مفعوله، إذ أن التمييز الذي لم يلتفت إليه صاحب المقال، الوزير الأستاذ، هو بين انتهاء مدة انتداب أعضاء المجلس، الذي لم تعد لهم الصفة كأعضاء، وبين بقاء مفعول القانون المتعلق بالمجلس ساريا وهما أمران منفصلان لابد من أخذهما في الاعتبار. الباعث السياسي في إصدار التشريعات ليس عيبا وفي الختام، فإن ادعاء صاحب المقال، أن الباعث على إعداد هذا المشروع هو باعث سياسي، وأن تغليب هذا الباعث هو الدافع إلى ذلك، قول مردود لا يمس حرية الإعلام في شيء، وإلا فإن أي إجراء تشريعي لإدخال تعديلات على تشريع لإدخال تعديلات على تشريع قائم أو مراجعته أو إصدار تشريع جديد أو إصدار تشريع، من أجل إصلاح أوضاع قانونية معينة، سيصبح مرفوضا بدعوى أن الباعث وراءه سياسيا. إن الباعث السياسي في إصدار التشريعات ليس عيبا في حد ذاته، ولكن العيب أن يكون هذا الباعث، هو البقاء في سجن الوضعية الحالية، بدون أفق وبدون حلول، وبدون بدائل. ومع كل ذلك، فإن مشروع القانون هو اليوم بيد السلطة التشريعية لتتخذ بشأنه ما تراه مناسبا ومحققا لضمان استمرارية المؤسسات والمرفق العمومي، الذي تسهر عليه من جهة، وحماية المكاسب الدستورية التي حققتها بلادنا، من جهة أخرى. الصباح