"خبراء" يستغلون الأطفال ويزعجون ركاب العربات ويجنون مداخيل مهمة يطمح المغرب إلى استقطاب 17 مليون سائح في أفق 2026، لكن ليست هناك أي خطة جادة من أجل تنظيف شوارع المملكة من المتسولين المحترفين، الذين يشكلون أحد العوامل المنفرة للسياح عامة، إذ أن جلهم يعيبون عن المغرب كثرة المتسولين، ويعبرون عنها بصراحة في مقاطع فيديو مصورة، كما أن المغاربة بدورهم يعانون الأمرين، بسبب فئة من المحترفين والخبراء في التسول، يسيئون للفضاء العام، ويتحرشون بالمارة والسائقين، وأصبح البعض من هؤلاء مقتنعا بحقه في التسول، وإزعاج الناس رغم أن لا يتسول لأنه محتاج، بل لأنه وجد في التسول مربحة جدا ولا تبور. تعتبر البيضاء أحد المدن التي تشتهر بالمتسولين المحترفين، الذين تجدهم منتشرين في مناطق مختلفة، يختارونها بعناية. البعض متخصص في التسول أمام أبواب المساجد، وفئة أخرى تستعمر إشارات المرور والمدارات، وفئة أخرى تنتشر أمام الشبابيك الإلكترونية والبنوك، ناهيك عن الذين يفترشون الحصائر أمام المطاعم والمتاجر الكبرى. ظاهرة مستفحلة لم يعد التسول خاصة في البيضاء أمرا ثانويا، بل وجب وضعه ضمن الأولويات الواجب الحرص على محاربتها، خاصة أن الكثير من هؤلاء المتسولين يقترفون جرائم خطيرة، يمكن إثباتها إذا ما تم التحقيق معهم، خاصة في ما يتعلق بكراء الأطفال الرضع وتشغيلهم وتنويمهم. في جولة قادت "الصباح" إلى تفقد أماكن وجود هذه الفئة، في مقاطعة المعاريف، تجدهم منتشرين بشدة في مناطق معينة، من قبيل شارع بئر انزران وابراهيم الروداني وشارع المسيرة وشارع الزرقطوني، إضافة إلى الأزقة الداخلية الواقعة بين هذه الشوارع الكبرى، ولا يمارس جميعهم نمطا واحدا في التسول، بل إن كل فئة لها وضع خاص، وتعمل حسب خطة معينة. ويمكن إسقاط نموذج المقاطعة سالفة الذكر على جميع مقاطعات البيضاء، إذ تجد الواقع نفسه في وسط المدينة وفي مقاطعة الفداء والبرنوصي وكل مناطق البيضاء، لكن الغريب في الأمر أن لا أحد يتحرك لمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء لمدينة بحجم البيضاء، فكيف تسمح السلطات لبضعة أشخاص أن يستغلوا سكان المدينة، بل يعتدون عليهم أحيانا، وسنذكر بعض النماذج من هذه الاعتداءات. التسول بالأطفال لعل الأمور مدعاة للخجل في هذه الظاهرة، هو التسول بالأطفال، إذ من الصعب التأكد من صحة بعض الأخبار، التي تدعي أن بعض المتسولين يقومون باستئجار الأطفال من أجل استعمالهم في التسول، لكن مهما كان مصدر هؤلاء الأطفال، سواء تم اكتراؤهم من أسرهم أو من خيريات، أو كانوا من صلب المتسولين أو من أسرهم، فهذا لا ينفي عنهم تهمة الاستغلال البشع للأطفال. والغريب أنه عندما يطالع الشخص ملامح هؤلاء الأطفال، تظهر عليهم ملامح البلادة، مثل تلك التي تسببها الأقراص المهلوسة لمتعاطيها، وفي معظم الأوقات تجدهم نياما، رغم أن المتسول يطوف بهم طيلة اليوم تحت أشعة الشمس، دون أكل أو شرب، ويتعرضون للتلوث الناتج عن دخان السيارات، إضافة إلى عدم الاعتناء بهم، إذ في الغالب يستغل المتسول وضعهم المزري لدغدغة عواطف المواطنين لمنحه المال. ولا أحد يفهم كيف أن السلطات لا تعاقب هؤلاء المجرمين الذين يعرضون حياة ومستقبل هؤلاء الأطفال للخطر، إذ أن أقل ما يمكن أن يوجه إليهم من تهم، هي الاتجار بالأطفال، لأنهم يعرضونهم على أنهم سلعة لجلب المال، فالشخص الذي يتسول بطفل يكون مدخوله أعلى من الذي يتسول بمفرده. وهناك فئة أخرى تستغل الأطفال ما بين 3 سنوات إلى 10، وغالبا ما تكون النساء هن من يدرن هذه الشبكات، إذ تسلط على المواطنين هؤلاء الأطفال، فتجدهم يطلبون المال دون كلل ولا ملل، إذ يتمسكون بأرجل المارة وبتلابيبهم ويحرجون المارة، وهناك مثال صارخ عن هذه الفئة، توجد قرب أحد أشهر المطاعم بالبيضاء، إلى درجة أن البعض يتفادى الذهاب إليه، لأن المتسولين سيعكرون مزاجه، إذ أن من يرفض منحهم المال يتعرض للسب أحيانا، ويمكن أن يعنف في حالة نادرة. سجناء العاطفة يقال إن المغاربة عاطفيون، وهذه ليست تهمة، كما أنها ليست خصلة حميدة، ففي أحيان كثيرة يمكن استغلال هذه العاطفة للنصب على المواطنين، وهو ما يجيده المتسولون المحترفون، فرغم أن جل مغاربة المدن متعلمون ويستطيعون التمييز، لكنهم يجدون أنفسهم في أحيان كثيرة أسيري العاطفة، ولا يستطيعون التملص منها، ويسقطون ضحايا لخبراء التسول. ويكفي أن يتأمل الشخص سبب كثرة المتسولين يوم الجمعة، لأنهم يعرفون أن الناس يسيطر عليهم الشعور الديني في هذا اليوم، وهو ما يستغلونه ببراعة. وأصبح من الواجب على المغاربة تحكيم العقل، على الأقل في هذه المسألة، لأنها تسيء للفضاء العام، وتقلل من نسبة الراحة فيه، إذ في جولة لا تتعدى ساعة، يمكن أن يستوقفك 5 متسولين أو أكثر طلبا للصدقة. وهناك الكثير من الحالات تعرض أفرادها للعنف اللفظي والنفسي والجسدي أحيانا من قبل هؤلاء، خصوصا أرباب السيارات، الذين يشتمون عندما لا يرغبون في منح المتسولين المال، الأمر نفسه لزبائن البنوك، إذ يتحرش بهم المتسولون بشكل لا يقبله العقل، ما أصبح يدعو إلى صحوة عند المغاربة لمحاربة هؤلاء المحترفين، إذ أن كل شخص يعرف شخصا فقيرا في حيه أو من أفراد أسرته، وهذه هي النماذج التي وجبت مساعدتها، عكس هؤلاء الذين يراكمون الأموال يوميا، ومنهم من جمع الملايين، آخرهم نموذج المتسولة التي ضبطت بحوزتها فيلات وعقارات بأكادير قبل أشهر. عصام الناصيري