رهانات تقليص التبعية في المواد الأساسية والرصد الاستباقي للأزمات الطارئة أوصت مجموعة موضوعاتية شكلها مجلس المستشارين حول الأمن الغذائي السنة الماضية، بترصيد المجهود الوطني التنموي المبذول، سيما المخططات والبرامج والأوراش الكبرى، التي أطلقها المغرب منذ الاستقلال للنهوض بالقطاع الفلاحي. كما طالبت بإحداث مؤسسة وطنية مستقلة للسيادة والأمن الغذائي، يعهد لها بتنسيق الإستراتيجيات الوطنية، تعنى باليقظة والرصد الاستباقي للأزمات الطارئة والمحتملة التي قد تهدد المنظومات الغذائية، وتتكفل بتحديد واقتراح أنماط التدخل، وتتبع المؤشرات واستشراف التحولات الكبرى المؤثرة على قوة الأمن الغذائي الوطني. وحرصت اللجنة، التي ضمت في عضويتها بالإضافة إلى ممثلي مجلس المستشارين، ممثلين عن القطاعات الحكومية المعنية ومؤسسات القطاع العام والخاص ومجموعة من الخبراء والباحثين، على التأكيد على ضرورة تعزيز آليات التمويل والمواكبة والمصاحبة المالية ومنظومة الشمول المالي بالعالم القروي، من أجل تقوية التثبيت الديمغرافي وتعزيز الاستثمار الذاتي، وإحداث المقاولات والمساهمة في بناء جيل جديد من الطبقة الوسطى بالوسط القروي. ومن بين التوصيات التي خلصت إليها اللجنة تسريع تنزيل السجل الاجتماعي الموحد، من أجل تسهيل مسار إصلاح منظومة المقاصة، وهو ما سيمكن من تعزيز آليات الاستهداف الخاصة بالدعم، وضمان إطار عادل ومنصف لعمل صندوق المقاصة، وتقوية نظم الرصد الغذائي لمواكبة الأهداف الإنمائية للألفية، وملاءمة المؤشرات الوطنية مع المعايير والمتطلبات الجديدة للأمن الغذائي. ويبقى الهدف هو تقوية الاكتفاء الغذائي، وتقليص نسبة التبعية الغذائية، سيما بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية (القمح، السكر والزيوت والبذور والأسمدة)، وترسيخ وتطوير معايير علامات الجودة الخاصة بالمنتوجات الغذائية تتضمن المنشأ، والتسمية، والبصمة الكربونية، والاستمرار في تعزيز مسارات تسويق المنتوجات الفلاحية المحلية، التي تنتجها التعاونيات. كما أوصت اللجنة في تقريرها اعتماد نظام غذائي مستدام لتطوير الأغذية المتنوعة بشكل متكافئ، مع ضمان الأولوية للمواد الغذائية الأساسية، وسن قوانين تشريعية وتنظيمية للحد من هدر المنتوجات الفلاحية في مختلف مراحل التوزيع، والتخزين والتسويق، ووضع آلية وطنية لضبط الكميات الحقيقية التي يتم هدرها. وأكد التقرير على ضرورة الرفع من المنتوجات الفلاحية القابلة للتحويل الصناعي، وتشجيع الاستثمار في مجال الصناعة الغذائية، وتنمية سلاسل الانتاج الفلاحي، مع التركيز على الزراعات، التي تصمد أمام المتغيرات المناخية، واعتماد خطة وطنية لتكييف سلاسل الإنتاج، مع الإعدادات المناخية الجديدة، والاستعمال الرشيد والعقلاني للموارد المائية لفائدة الزراعات، التي تضمن ديمومة الأمن الغذائي، وترشيد استعمال المياه الجوفية، بتقنين أنماط الاستغلال وتوجيهها لدعم استدامة الأمن الغذائي. ولتجاوز وضعية الأراضي الزراعية المتسمة بالتجزيء، أوصت اللجنة باعتماد جيل جديد للتجميع الفلاحي، من أجل مواجهة حالات الجفاف وغلاء المدخلات، وقلة تنظيم السوق الداخلي وصعوبات التسويق الخارجي، بجانب الاستمرار في التطوير المبتكر للإطار القانوني للتجميع الفلاحي، باعتباره خيارا إستراتيجيا للنهوض بالسلاسل الإنتاجية على مستوى النجاعة والمردودية والإنتاجية. وطالب التقرير بإحداث آلية وطنية للضبط والتنظيم، يعهد إليها التدبير الشمولي للمخزون الإستراتيجي، واعتماد نظام مراقبة فعال بخصوص كل ما يتعلق بالإمداد بالمخزون الغذائي وكيفية تدبيره، واعتماد آلية الإنذار المبكر والاستباقي ضد المخاطر التي تهدد سلاسل الصناعة والإمداد، وإعداد نظام شامل لجرد أرصدة مخزون المواد الأساسية، والاهتمام بالعنصر البشري، عبر تأهيل قدرات الأشخاص المكلفين بإدارة ومراقبة المخزون لضمان التعامل السليم مع السلع، واعتماد سياسات عمومية جديدة تتعلق بتدبير المخزون الاحتياطي الإستراتيجي، بهدف تغطية الطلب المحلي، ومواجهة الصدمات الطارئة وتقلبات السوق، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية عبر تشييد وتطوير وحفظ مرافق التخزين، وتعزيز برامج البحث والتطوير المتعلقة بتخزين المواد الغذائية، وعصرنة تقنيات ومعدات التخزين من خلال دعم التعاونيات الفلاحية، وتعزيز برامج إحداث وتطوير مستودعات التخزين والتبريد، خصوصا في المناطق التي تعاني الهشاشة والعزلة. برحو بوزياني