يحتفل الأجراء والموظفون، بعد غد (الاثنين)، بعيدهم الأممي في سياق توتر عابر بين المركزيات النقابية والحكومة، تلهبه تداعيات ظرفية اقتصادية واجتماعية غير مستقرة، من أبرز سماتها التذبذب في أسعار المواد الأساسية، ودخول المغرب، عمليا، في حسابات ثاني موسم للجفاف على التوالي. ويتخذ العيد، في مثل هذه الحالات، لبوس التوجس واللايقين، إذ من المتوقع أن يرفع آلاف العمال والعاملات في القطاع الخاص، وموظفو القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية في التعليم والصحة والعدل والتكوين المهني والمالية، ومختلف التنسيقيات والجمعيات وممثلو المتقاعدين والمياومين، شعارات تندد بالوضع العام وتحاكم الاختيارات والقرارات، وتطلب حلولا ذات طابع استعجالي. وتتفهم الحكومة نبرة الاحتجاج المشروع في خطاب المركزيات النقابية، خصوصا في الأشهر الأخيرة، حيث وجد الطرفان نفسيهما عاجزين عن مجاراة إيقاع مرتفع للتحولات المتواترة التي يشهدها العالم، وضعت أغلب التوقعات والالتزامات موقع مراجعة، خصوصا في ما يتعلق بتحسين القدرة الشرائية ولجم التضخم والوفاء بالزيادة في الأجور، ومعالجة باقي الملفات المطلبية العالقة. وتشعر الحكومة والنقابات، لأول مرة، أنها في سفينة واحدة، مع اختلاف في المواقع، لكن بالمصير نفسه، إذ يتطلب مفترق الطرق الذي تقف أمامه البلاد التحلي بكثير من الشجاعة والمسؤولية والوطنية والوضوح والتخلي عن المزايدات والزيف، حتى نتمكن جميعا من اختيار الطريق الصحيح، الذي يقودنا حتما إلى النجاة. لقد عبرت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، منذ بداية التجربة السياسية الحالية، عن مستوى عال من الإنصات والمشاركة والتعاون الإيجابي، الذي أفضى إلى توقيع اتفاق اجتماعي للفترة بين 2022 و2024 وميثاق وطني للحوار الاجتماعي، وهي سابقة في تاريخ الحكومات بالمغرب، إذ لم يسبق أن وقعت حكومة اتفاقا اجتماعيا في هذا الوقت القياسي (أقل من ستة أشهر). ونعتقد أن أهم مكسب في اتفاق السنة الماضية وصول الحكومة والنقابات وممثلي أرباب الشغل إلى قناعة أساسية، مفادها أن المغرب لم يتقدم في تحقيق الأوراش المبرمجة، دون مأسسة لقنوات حوار اجتماعي دائم ومستمر ومنتظم، يتصدى للملفات والمستجدات في حينها، ويجتهد في إيجاد حلول. بمعنى أوضح، إن الحكومة والنقابات نجحت في وضع إطار عام للتعاقد من أجل البناء والمستقبل والوطن، بعيدا عن الحسابات الضيقة والاستغلال السياسي الفاحش لفئات الأجراء والموظفين والمستخدمين والمتعاقدين، التي لا تعود إلى الذاكرة إلا في فاتح ماي، أو خلال فترة الانتخابات. وعلى ضوء هذا التعاقد الاجتماعي الواضح، يسهل طرح جميع القضايا والملفات والاجتهاد في إيجاد مقاربات وحلول لها، وبفضله (التعاقد)، نجحنا جميعا في لجم نزعات التطرف والتيه، التي تستعمل القضايا الاجتماعية وملفات العمال والموظفين وحمى الأسعار، "قنطرة" للمرور إلى الضفة الأخرى. وبهذا الوعي الوطني العالي والمستحضر للإكراهات والصعوبات ومخاطر التربص باستقرار البلد، سيخرج العمال للاحتفال والاحتجاج وترديد الشعارات والأهازيج، وبعث رسائل التذكير إلى الحكومة، في إطار اختلاف مشروع، لن يفسد للود قضية. وكل فاتح ماي.. ووطننا بألف خير.