أو مجانا بعد

المتهم استدرج الضحية للانتقام منها بعد رفضها الاقتران به كان الضابط يرتب أوراقه ويضع خريطة عمل يوم جديد، عندما نزل خبر العثور، عبر جهاز لا سلكي، على جثة قرب الغابة الموجودة في طرف المدينة. وضع كل ما كان بين يديه، ونادى على مساعديه وتوجهوا جميعا نحو مسرح الجريمة، مطالبا بالتحاق الشرطة العلمية والتقنية به على عجل. المتهم استدرج الضحية للانتقام منها بعد رفضها الاقتران به حل عدد كبير من رجال الأمن الوطني، أكثرهم بالزي المدني. حام الضابط حول الجثة، فتبين له للوهلة الأولى، أنها لفتاة في مقتبل العمر. تبدو طالبة من لباسها، قبل أن ينادي عليه شرطي ويخبره أنه عثر على محفظتها، على بعد أمتار قليلة من مكان العثور على الجثة. غياب مفاجئ تأخرت سعاد عن موعد عودتها إلى منزل والدتها خاصة وأن آخر حصة دراسية تنتهي على الساعة الرابعة عصرا. لم تكن متعودة على التأخر، فقد اعتادت على الرجوع إلى المنزل مباشرة بعد مغادرتها للمؤسسة لتتناول بعض ما تجده أمامها وتتخلص من كتبها ثم تستأذن والدتها، إذا كان هناك داع لخروجها. انتظرت والدتها بعض الوقت قبل أن يساورها القلق وبحكم غريزة الأمومة وحدسها الذي لا يخيب، أحست أن هناك طارئا أو أن هناك حادثا وراء هذا التأخير غير العادي، فخرجت تستطلع الأمر وتوجهت في البداية عند صديقتها القريبة منها، فأكدت لها أنها غادرت المؤسسة على الساعة الرابعة عصرا ولم تلتق بها بعد ذلك. توصلت الأم بخبر وقوع حادثة سير أمام المؤسسة ذاتها. ساورها خوف عميق في إمكانية تعرضها لمكروه، فتوجهت إلى المستشفى وعلمت بقسم المستعجلات، أنه لم يسفر على ضحايا، تنفست الصعداء ولكنها ظلت تحس بانقباض داخلي لم تكن تعرف مصدره، والتحقت بمقر الشرطة القضائية واستطلعت الأمر ولكن أحدا لم يطمئنها ولم يطفئ النار التي كانت مشتعلة داخل جوانحها. عادت الأم إلى منزلها حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا، وباتت متسمرة في الشرفة المقابلة للشارع، تنتظر قدوم سعاد التي لن تعود أبدا. لم يغمض لها جفن، ولم يهدأ لها بال، كانت تعرف أن موجة اعتراض سيل الفتيات قد تكاثرت في الآونة الأخيرة، وكانت تدعو الله أن يرجع لها ابنتها سالمة دون أي اعتداء. بداية البحث توصل الضابط إلى هوية التلميذة وتذكر أن امرأة التحقت بالأمس تبحث عن بنتها. أمر مساعده بالاتصال بها والبحث عنها واستدعائها للمثول بين يديه، فيما قامت الشرطة العلمية والتقنية برفع كل ما يمكنها من الكشف عن لغز هذه النازلة، بينما وجهن الجثة نحو مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي. حضرت المرأة وكانت في وضع نفسي مضطرب، عيناها محمرتان من البكاء والسهر. طلب منها الضابط الاقتراب منه وقادها نحو الجثة، وانهارت لما كشف عن وجهها وأغمي عليها. انتظر بضع دقائق، ريثما تستعيد هدوءها، وطلب منها بعض المعلومات عن زميلاتها المقربات إليها وعن سيرتها داخل البيت. أخبرته أنها كانت تلميذة مجدة ومواظبة على دراستها ولم تكن من البنات المشاكسات المدمنات على الخروج من المنزل، بل كانت قريبة منها تساعدها في أعمال البيت كلما أتيحت لها الفرصة. انتقلت فرقة أمنية إلى المؤسسة التعليمية، التي كانت قيد حياتها تتابع بها دراستها، واستمعت لعدد من صديقاتها، فأكدن جميعا أنها على علاقة مع أنور وهو شاب يقاربها في السن. وأضفن أنهن شاهدنها معا صباح يوم الحادث قبل ولوجهن إلى المؤسسة. تصريحات أنور وأعيد الاستماع إلى والدة التلميذة، فصرحت أن شخصا تقدم لخطبتها، لكنها رفضت السماح له بذلك، لسوء سلوكه ولعطالته. وربطت الضابطة القضائية هذا المستجد بتصريحات صديقاتها، وانتقلت إلى حيث يوجد أنور، واستمعت إليه، فصرح أنه ربط علاقة مع الضحية لما علم بانفصالها عن الشخص الذي تقدم لخطبتها، وأضاف أنه يعرفها جيدا لأنه يقطن بالحي ذاته، وأنه التقاها يوم اختفائها وضرب معها موعدا على الساعة الرابعة عصرا للخروج معا، لكنه تأخر قليلا عن الموعد، ولم يجدها، فظن أنها عادت إلى منزل عائلتها، لكنه علم من والدتها أنها لم تعد بعدما سألته عنها مساء اليوم ذاته. وعاد الضابط إلى نقطة الصفر، بعدما تأكد من صدق تصريحات أنور، وكثف من أبحاثه وتحرياته، وانتقل للبحث عن الخطيب المرفوض، وتم استقدامه إلى مخفر الشرطة القضائية واستمعت إليه على سبيل الاستئناس، فاعترف بعلاقته مع الضحية، مشيرا إلى أنها انتهت بمجرد رفضه من قبل والدتها. الشك واليقين خلفت طريقة كلام المتهم، شكا في نفس الضابط، سيما أنه لم يجزم في استعمال زمنه مساء يوم الحادث، وأخضعه لبحث دقيق، وأمر بتفتيش منزل والديه. وعهد لمساعديه بالقيام بهذه المهمة، التي أسفرت عن حجز حذاء رياضي به بعض بقع الدم وسروال ومعطف جلدي. واعترف بملكيته للحذاء والسروال والمعطف، وتم إخضاع الحذاء لعملية الكشف العلمي بواسطة الأشعة تحت الحمراء، وجاءت متطابقة مع عينة دم الضحية، وواجهته الضابطة ذاتها بنتيجة التحليل، فانهار ولم يجد بدا من الاعتراف بما اقترفه في حق التلميذة التي كان ينوي الاقتران بها. وصرح أنه يوم الحادث كان مارا من أمام المؤسسة التعليمية، فشاهد الضحية رفقة شخص أخر، فثارت ثائرته وقرر الانتقام منها، وانتظرها في المساء، إذ كانت على موعد مع أنور. خرجت سعاد من الثانوية بعد انتهاء الحصة المسائية، فوجدت المتهم في انتظارها، فطلب منها مرافقته، ولم تمانع لأنها كانت تعرف تهوره، إذ سبق له أن احتجزها ببيته وحاول الانتحار بقطع شرايين يده وقادها إلى الغابة ووجه لها اللوم والعتاب. ولم ترغب في العودة إليه، فاعتدى عليها بالصفع، ثم استل سكينا ووجه لها عدة طعنات قبل أن يتركها جثة هامدة. واعترف بتخلصه من أداة الجريمة برميها ببئر بعين المكان. لم تجد الضابطة صعوبة في العثور على البئر، وتكلفت مصالح الوقاية المدنية باسترجاعها رفقة فوطة استعملت في تنظيفها من الدم وتسليمها لها، لتقديمها ضمن محضر التحقيق، وأحيل على قاضي التحقيق لتعميق البحث ومتابعته من أجل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لتدينه محكمة الاستئناف ب30 سنة سجنا نافذا. أحمد ذو الرشاد (الجديدة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تلاعـب بالمستهلـك

بأي ثمن عدت يا عيد؟

مقالات ذات صلة