عملية "الكركرات" حولت الجبهة إلى حزب جزائري بامتياز منذ تأسيسها بضواحي "الزويرات" الموريتانية، أي قبل خمسين سنة، لم تكن "بوليساريو" سيدة قرارها ولا مدبرة أمرها، وتدحرجت الوصاية عليها بين رؤساء اللجان الثورية الليبية وضباط الأمن العسكري الجزائري (دي إر إس)، إلى أن جاءت العملية الأمنية في الكركرات في 2020، والتي ضربت نواة هذا المشروع في عمقه حيث أفرغت "بوليساريو" من الهواء الذي كان ينفخها، وجعلت الجزائر تعرف حجمها الإقليمي والدولي، بعدما حولت المباركة الدولية التي حظيت بها عملية الكركرات "بوليساريو" إلى حزب جزائري بامتياز، يدير مخيمات تقع جغرافيا فوق التراب الجزائري بطريقة تشاركية مع الجيش الجزائري، الذي يسخر أبواقه للتسويق لأطروحة انكشف الغطاء عنها، وذابت كل حججها أمام حجة الأمر الواقع. مع توالي هذا الانهيار المتتالي لأسس "بوليساريو"، وفشلها الصريح في الحفاظ على المخيمات، وحماية نواة أطروحتها المبنية أساسا على إطالة عمر تلك التجمعات السكنية البئيسة التي تعتبر ورقة الضمان الجزائرية الوحيدة للاستمرار في مشاكسة المغرب، في ما بقي من ملف الصحراء، تفاجأ ضباط الأمن الجزائري بحجم التذمر والرفض الذي وصل إليه السكان في تندوف الذين لم يعودوا يخفون توجسهم من النوايا الجزائرية تجاه الملف، وهو ما ترجمه التصادم مع عناصر حرس الحدود الجزائري خلال تدخلهم في المخيمات، وكذلك استهداف مقرات أمن "بوليساريو"، لكن الأخطر هو رفض الصحراويين الانخراط في أي تظاهرات أو احتفالات لمناسبة ما تسميه "بوليساريو" أياما وطنية، وهو ما أجبر المخابرات الجزائرية على التفكير فعليا في استحداث أسلوب جديد لإدارة المخيم، لإعادة فرض السيطرة التي عجز كهول "بوليساريو "عن الحفاظ عليها. وفي هذا الصدد، نقلت مصادر متطابقة من داخل قيادات "بوليساريو" عزم والي تندوف، بالتنسيق مع المقر العام للقطاع العسكري، والأجهزة الأمنية الجزائرية طرح خطة أمنية وإدارية جديدة تقسم المخيم إلى ثلاثة قطاعات، كل قطاع يتبع لإحدى الثكنات القريبة منه، تشرف بشكل مباشر على إدارته وتسيير أموره الأمنية. وقال قيادي في أمن "بوليساريو" إن إبراهيم غالي أبلغ والي تندوف تحفظه على بعض النقاط التي جاءت في الخطة الأمنية، مثل إشراف عناصر من الجيش على توزيع النصيب الشهري من المساعدات على اللاجئين، لافتا انتباه الوالي إلى أن بعض المنظمات الإسبانية لن تكون مرتاحة إذا تمت مرافقتها من قبل أشخاص من الواضح أنهم ليسوا صحراويين، بالإضافة إلى أنه، بهذا الإجراء، ستفقد قيادة "بوليساريو" وزنها الداخلي ولن يكون للقيادة أي تأثير على المشهد بالمخيم. ومن المنتظر أن يعيش زعيم الرابوني لحظات عصيبة، هذا الأسبوع، خلال اجتماع مكتب أمانة "بوليساريو"، إذ يرفض العديد من قياداته هذه الخطة الجزائرية، خصوصا إطارات مديرية الأمن الداخلي، الذين صرحوا، خلال إفطارات قبلية، أنهم لن يعملوا إلى جانب الجزائريين بهذه الطريقة المهينة وأن على الصحراويين التعبير عن رفضهم لهذه الخطة، التي تمكن الجيش الجزائري من استباحة خيام الصحراويين والصحراويات تحت أنظار أبنائهن.