الحكاية، بكل اختصار، أن الهيآت المخول لها (افتراضيا) إجراء عمليات تجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة والنشر (أعلى هيأة للتنظيم الذاتي للمهنة)، لم تعثر على أي سند قانوني يخول لها ذلك. تخيلوا أن تقرر مكونات الجسم الصحافي والإعلامي، في لحظة ما، إجراء انتخابات لتجديد هياكل مجلسها الوطني، ثم تتراجع، بعد أن اكتشفت أن القانون رقم 90.23 المؤسس للهيأة لا يتضمن أي إشارة (في نص من 4326 كلمة) إلى الانتخابات، وكيفية إجرائها والجهة المشرفة، ومسطرة الترشيح والتصويت والفرز ونمط الاقتراع. اكتشفنا، نحن الصحافيين والمهنيين، أن الحكومة السابقة، ومعها أغلبيتها "المريحة"، وضعتا نصا قانونيا ناقصا ومعيبا، عن سبق إصرار وترصد، حين أبقت مسطرة تنظيم المجلس الوطني للصحافة والنشر مفتوحا على كل الاحتمالات والتأويلات، التي يمكن تفسيرها حسب مزاج المرحلة، سواء من ناحية التحكم في الجسم الإعلامي، أو من ناحية توظيفه في معارك وحروب تنهك استقلاليته. والغريب، الذي يحدث اليوم على رؤوس الأشهاد، أن الذين يطالبون بإجراء انتخابات لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة والنشر، دون قيد وشرط، ودون تأخير، هم أنفسهم الذين لم يتركوا أي أثر قانوني لتنظيم هذه العمليات الدقيقة، التي لا يمكن أن تتم إلا بنص واضح. يقولون لنا، بعد كل هذه المدة، اذهبوا وربكم فقاتلوا إنا هاهنا قاعدون لكي نحصي أخطاءكم وفضائحكم، رغم أن الفضيحة الأكبر، في هذا الملف برمته، دبرت خيوطها في ليل، لتحقيق هدف إسترات يجي واحد: إفراغ المجلس الوطني للصحافة والنشر من روحه الديمقراطية وتجريده من سنده الدستوري، حتى يسهل الاستفراد به. لقد ارتكبوا كل هذه المجازر في حق الدستور والقانون على مدى 12 سنة كاملة، ثم عادوا (وعاد معهم بعض المتهافتين وأصحاب الأكشاك الصحافية)، لمهاجمة مبادرة للإصلاح والتقويم، أطلقتها الحكومة في شكل لجنة مؤقتة (لا تتجاوز سنتين)، تشرف على المرحلة المقبلة، إلى حين تصحيح الأخطاء القانونية السابقة وتشكيل الهياكل الجديدة للمجلس الوطني. فلا أحد يريد حل هيآت منظمة قانونا، لكن نعتقد، في الوقت نفسه، أن تشكيل لجنة مؤقتة لتدبير شؤون الصحافة والنشر، هو الحل الأمثل (من بين عدة حلول) لتجاوز وضعية النفق المسدود، وحالة الاختناق والغرق المبين الذي تسبب فيه الجهاز التنفيذي السابق. إن اللجنة بشكلها الحالي، التي صادق مجلس الحكومة على مشروع قانونها، هي محاولة إنقاذ من موت كان وشيكا لقطاع كان يسير برمته إلى الهاوية، وضربة استباقية لمخطط الهيمنة على تنظيمات ومؤسسات الجسم الصحافي لأهداف سياسية محضة، وجرس إنذار لكل من يعتقد أن الصحافيين "حيط قصير" يمكن القفز عليه بسهولة. ومؤكد أن مبادرة للتصحيح والضبط واسترجاع زمام الأمور، من هذا الحجم، لا يمكن إلا أن تكون مصدر إزعاج للبعض، وخطرا على البعض الآخر، حين سيطلع الرأي العام، في الأيام المقبلة، على حقيقة النوايا و"الخلفيات". وكل "خلفيات" والصحافة الوطنية الحرة الأبية بألف خير.