كباريهات تتحول إلى مراقص وملاذ لمدخني الشيشة رغم أن رمضان يعرف بأنه شهر العبادة، إلا أن الكثير من الذين ألفوا حياة الليل، وتعودوا على الانتشاء بمعاقرة الخمر وتدخين الشيشة، لا يستطيعون أن يتخلوا عن طقوسهم، فعوض السير على نهج أغلبية البيضاويين، الذين يخصصون ليالي رمضان للعبادة أحيانا، وزيارة الأسر والعائلات والأصدقاء، وارتداء الملابس التقليدية، تختار فئة من أعمار مختلفة، الاستمرار في حياة السهر، والتنقل بين الكباريهات في عين الدياب. يعيش كورنيش عين الدياب على وقع الحركة والبهجة مباشرة بعد الفطور، خاصة أن البعض يفطر قبالة أمواج البحر، وفي المقاهي المطلة على المحيط، ومنهم من يكتفي بالفطور وبجولة على "الكورنيش"، وهناك من ينتظر أن تفتح الكباريهات أبوابها للالتحاق بالسهرة، التي تدوم لساعات قبل أن يحين وقت السحور بعد ساعتين أو ثلاث. الشيشة بدل "الطاسة" لم يتغير الشيء الكثير في كباريهات عين الدياب في أيام رمضان، باستثناء استبدال الخمر بالشيشة، أما الموسيقى والأجواء فظلت كما هي، بل إن الكثير من الكباريهات اجتهدت وخصصت لمرتاديها حفلات خاصة، يحييها فنانون معروفون، بعضهم مغاربة ومنهم جزائريون وغيرهم. وعاينت "الصباج" هذه الأجواء العجيبة، التي حافظت على حرارتها وشكلها، رغم عدم وجود الخمر، إذ أن البعض عوضه بالشيشة، لكن الحماس نفسه يسيطر على الحاضرين، الذين تتعالى أصواتهم بين الفينة والأخرى، ويدخنون على أنغام موسيقى مصرية، من النوع الحزين. وبعد فترة من الزمن دخل أحد الفنانين، الذي يبدو أن له شعبية كبيرة، إذ استغرق دخوله أكثر من ربع ساعة، وهي حيلة تحمس بها إحدى المنشطات الجمهور، ويتعلق الأمر بأحد المغنيين الجزائريين، يدعى الشيخ نانو، وهو شخص متشبه بالنساء، إذ يضع "المكياج" ويبدو في هيأة غريبة. ودام الرقص لفترة طويلة، بوجود عدد كبير من الفتيات، جلهن يلبسن تنانير سوداء قصيرات، وهناك بعض الشباب الذين يرقصون أيضا بطرق غريبة، في حين جزء آخر من الزبائن يكتفي بالجلوس وتدخين الشيشة ومراقبة الوضع، مع سحابة من الدخان تطوف فوق الرؤوس. وفي غمرة تلك الأجواء المفعمة بالموسيقى الصاخبة والدخان وقهقهات النساء، يوجد بعض الشباب ممن يحملون الجمر، ويطوفون على المدخنين، من أجل تجديده، ولهم طريقتهم في تنبيه الزوار من خطر الاصطدام بهم، بقرع مقص حديدي يحدث صوتا فريدا، إضافة إلى خفتهم في الحركة، الذي يمكنهم من اختراق الجموع دون أن يقع منهم وعاء يحملون فيه جمرا. "زهو" الأفارقة إلى عهد قريب لم تكن للجنسيات الإفريقية من جنوب الصحراء، مراقص وحانات خاصة بهم، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح بعض أرباب الملاهي الليلية يخصصون مشاريعهم لهذه الفئة، كما هو الأمر في البيضاء والرباط وطنجة ومراكش وغيرها، وهي ظاهرة غريبة نوعا ما، إذ بمجرد الدخول إليها يخال للشخص أنه في وسط إفريقيا وليس في المغرب. في باب هذا المرقص الذي يؤوي الأفارقة، هناك حارسان يقفان أمام الباب، وفي أحيان كثيرة لا يسمحان للمغاربة بالدخول، إلا الذين يرون أنهم سيصرفون أموالا مهمة بالداخل، ولهم طرقهما في إقناع المرفوضين، إما بادعاء أن صاحب المحل يشترط أن يكون الشخص مصحوبا بفتاة، أو يقولان له إن المكان ممتلئ، وأن عليه الحجز المسبق. وأما في الداخل فيجد الشخص عالما آخر، شديد الضجيج والقهقهات، غير أنه مسالم أكثر من المراقص التي يوجد فيها المغاربة، إذ قلما يتخاصمون، وتغلب على هذا المرقص موسيقى "الأفرو"، والأضواء الخضراء والحمراء، التي تصيب الشخص الذي لم يألف هذه الأجواء بالدوخة، وفي المبنى توجد ساحة صغيرة مخصصة للرقص، والتي تحتلها بعض الفتيات الإفريقيات برقص أقرب إلى الإغراء. عصام الناصيري